أما الدرجة الثالثة وهي ورع المتقين فيشهد لها قوله صلى الله عليه وسلم لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس وقال عمر رضي الله عنه كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام وقيل إن هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال أبو الدرداء إن من تمام التقوى أن يتقى العبد في مثال ذرة حتى يترك بعض ما يرى انه حلال خشية أن يكون حراما حتى يكون حجابا بينه وبين النار ولهذا كان لبعضهم مائة درهم على إنسان فحملها إليه فأخذ تسعة وتسعين وتورع عن استيفاء الكل خيفة الزيادة وكان بعضهم يتحرز فكل ما يستوفيه يأخذه ينقصان حبة وما يعطيه يوفيه بزيادة حبة ليكون ذلك حاجزا من النار ومن هذه الدرجة الاحتراز عما يتسامح به الناس فإن ذلك حلال في الفتوى ولكن يخاف من فتح بابه أن ينجر إلى غيره وتألف النفس الاسترسال وتترك الورع فمن ذلك ما روى عن علي بن معبد انه قال كنت ساكنا في بيت بكراء فكتبت كتابا وأردت أن آخذ من تراب الحائط لأتربه وأجففه ثم قلت الحائط ليس لي فقالت لي نفسي وما قدر تراب من حائط فأخذت من التراب حاجتي فلما نمت فإذا أنا بشخص واقف يقول يا علي بن معبد سيعلم غدا الذي يقول وما قدر تراب من حائط ولعل معنى ذلك انه يرى كيف يحط من منزلته فإن للتقوى درجة تفوت بفوات ورع المتقين وليس المراد به أن يستحق عقوبة على فعله ومن ذلك ما روى أن عمر رضي الله عنه وصله مسك من البحرين فقال وددت لو أن امرأة وزنت حتى أقسمه بين المسلمين فقالت امرأته عاتكة أنا أجيد الوزن فسكت عنها ثم أعاد القول فأعادت الجواب فقال لا أحببت أن تضعيه بكفة ثم تقولين فيها أثر الغبار فتمسحين بها عنقك فأصيب بذلك فضلا على المسلمين وكان يوزن بين يدي عمر بن عبد العزيز مسك للمسلمين فأخذ بأنفه حتى لا تصيبه الرائحة وقال وهل ينتفع منه إلا بريحه لما استعبد ذلك منه وأخذ الحسن رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة وكان صغيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم كخ كخ حديث أخذ الحسن بن علي تمرة من الصدقة وكان ضغيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم كخ كخ ألقها أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة أي ألقها
تعليقات
إرسال تعليق