بيان فضيلة الحلم
اعلم أن الحلم أفضل من كظم الغيظ لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلم أي تكلف الحلم ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادا فلا يهيج الغيظ وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب وهو الحلم الطبيعي وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفا قال صلى الله عليه وسلم إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتخير الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه حديث إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم الحديث أخرجه الطبراني والدارقطني في العلل من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف وأشار بهذا إلى أن اكتساب الحلم طريقة التحلم أولا وتكلفه كما أن اكتساب العلم طريقة التعلم وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة والحلم لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه ولا تكونوا من جبابرة العلماء فيغلب جهلكم حلمكم حديث أبي هريرة اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة والحلم الحديث أخرجه ابن السني في رياضة المتعلمين بسند ضعيف وأشار بهذا إلى أن التكبر والتجبر هو الذي يهيج الغضب ويمنع من الحلم واللين وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية حديث كان من دعائه اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية لم أجد له أصلا وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم ابتغوا الرفعة عند الله قالوا وما هي يا رسول الله قال تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتحلم عمن جهل عليك حديث ابتغوا الرفعة عند الله قالوا وما هي قال تصل من قطعك الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي وقد تقدم وقال صلى الله عليه وسلم خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطر حديث خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطر أخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في المثاني والآحاد والترمذي الحكيم في نوادر الأصول من رواية مليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده وللترمذي وحسنه من حديث أبي أيوب أربع فأسقط الحلم والحجامة وزاد النكاح وقال علي كرم الله وجهه قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم وإنه ليكتب جبارا عنيدا ولا يملك إلا أهل بيته حديث علي إن الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط بسند ضعيف وقال أبو هريرة إن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ويجهلون علي واحلم عنهم قال إن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك حديث أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ويجهلون علي وأحلم عنهم الحديث رواه مسلم المل يعني به الرمل وقال رجل من المسلمين اللهم ليس عندي صدقة أتصدق بها فأيما رجل أصاب من عرضي شيئا فهو عليه صدقة فأوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني قد غفرت له حديث قال رجل من المسلمين اللهم ليس عندي صدقة أتصدق بها فأيما رجل أصاب من عرضي شيئا فهو صدقة عليه الحديث أخرجه أبو نعيم في الصحابة والبيهقي في الشعب من رواية عبد المجيد بن أبي عبس بن جبر عن أبيه عن جده بإسناد لين زاد البيهقي عن علية بن زيد وعلية هو الذي قال ذلك كما في أثناء الحديث وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أنه رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا من المسلمين ولم يسمه وقال أظنه أبا ضمضم قلت وليس بأبي ضمضم إنما هو علية بن زيد وأبو ضمضم ليس له صحبة وإنما هو متقدم وقال صلى الله عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم قالوا وما أبو ضمضم قال رجل ممن كان قبلكم كان إذا أصبح يقول اللهم إني تصدقت اليوم بعرضي على من ظلمني حديث أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم الحديث تقدم في آفات اللسان وقيل في قوله تعالى ربانيين أي حلماء علماء وعن الحسن في قوله تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما قال حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا وقال عطاء بن أبي رباح يمشون على الأرض هونا أي حلماء وقال ابن أبي حبيب في قوله عز وجل وكهلا قاله الكهل منتهى الحلم وقال مجاهد وإذا مروا باللغو مروا كراما أي إذا أوذوا صفحوا وروي أن ابن مسعود مر بلغو معرضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح ابن مسعود وأمسى كريما حديث أن ابن مسعود مر بلغو معرضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبح ابن مسعود وأمسى كريما أخرجه ابن المبارك في البر والصلة ثم تلا إبراهيم بن ميسرة وهو الراوي قوله تعالى وإذا مروا باللغو مروا كراما وقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم لا يدركني ولا أدركه زمان لا يتبعون فيه العليم ولا يستحيون فيه من الحليم قلوبهم قلوب العجم وألسنتهم ألسنة العرب حديث اللهم لا يدركني ولا أدركه زمان لا يتعبون فيه العليم ولا يستحيون فيه من الحليم الحديث أخرجه أحمد من حديث سهل بن سعد بسند ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم ليليني منكم ذوو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ولا تختلفوا فتخلف قلوبكم وإياكم وهيشات الأسواق حديث ليليني منكم أولو الأحلام والنهى الحديث أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود دون قوله ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم فهي عند أبي داود والترمذي وحسنه وهي عند مسلم في حديث آخر لابن مسعود وروي أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم الأشج فأناخ راحلته ثم عقلها وطرح عنه ثوبين كانا عليه وأخرج من العيبة ثوبين حسنين فلبسهما وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى ما يصنع ثم أقبل يمشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام إن فيك يا أشج خلقين يحبهما الله ورسوله قال ما هما بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال الحلم والأناة فقال خلتان تخلقتهما أو خلقان جبلت عليهما فقال بل خلقان جبلك الله عليهما فقال الحمد الله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله حديث يا أشج إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة الحديث متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يحب الحليم الحي الغني المتعفف أبا العيال التقي ويبغض الفاحش البذي السائل الملحف الغبي حديث إن الله يحب الحيي الحليم الغني المتعفف الحديث أخرجه الطبراني من حديث سعد إن الله يحب العبد التقي الغني الحفي وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشيء من عمله تقوى تحجزه عن معاصي الله عز وجل وحلم يكف به السفيه وخلق يعيش به في الناس حديث ابن عباس ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشيء من عمله أخرجه أبو نعيم في كتاب الإيجاز بإسناد ضعيف والطبراني من حديث أم سلمة بإسناد لين وقد تقدم في آداب الصحبة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادى مناد أين أهل الفضل فيقوم ناس وهم يسير فينطلقون سراعا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فتقولون لهم إنا نراكم سراعا إلى الجنة فيقولون نحن أهل الفضل فيقولون لهم ما كان فضلكم فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيء إلينا عفونا وإذ جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين حديث إذا جمع الخلائق نادى مناد أين أهل الفضل فيقوم ناس الحديث وفيه إذا جهل علينا حلمنا أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال البيهقي في إسناده ضعف الآثار قال عمر رضي الله عنه تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم وقال علي رضي الله عنه ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك وأن لا تباهي الناس بعبادة الله وإذا أحسنت حمدت الله تعالى وإذا أسأت استغفرت الله تعالى وقال الحسن اطلبوا العلم وزينوه بالوقار والحلم وقال أكثم بن صيفي دعامة العقل الحلم وجماع الأمر الصبر وقال أبو الدرداء أدركت الناس ورقا لا شوك فيه فأصبحوا شوكا لا ورق فيه إن عرفتهم نقدوك وإن تركتهم لم يتركوك قالوا كيف نصنع قال تقرضهم عن عرضك ليوم فقرك وقال علي رضي الله عنه إن أول ما عوض الحليم من حلمه أن الناس كلهم أعوانه على الجاهل وقال معاوية رحمه الله تعالى لا يبلغ العبد مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله وصبره شهوته ولا يبلغ ذلك إلا بقوة العلم وقال معاوية لعمرو بن الأهتم أي الرجال أشجع قال من رد جهله بحلمه قال أي الرجال أسخى قال من بذل دنياه لصلاح دينه وقال أنس بن مالك في قوله تعالى فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم إلى قوله عظيم هو الرجل يشتمه أخوه فيقول إن كنت كاذبا فغفر الله لك وإن كنت صادقا فغفر الله لي وقال بعضهم شتمت فلانا من أهل البصرة فحلم علي فاستعبدني بها زمانا وقال معاوية لعرابة بن أوس بم سدت قومك يا عرابة قال يا أمير المؤمنين كنت أحلم عن جاهلهم وأعطي سائلهم وأسعى في حوائجهم فمن فعل فعلي فهو مثلي ومن جاوزني فهو أفضل مني ومن قصر عني فأنا خير منه وسب رجل ابن عباس رضي الله عنهما فلما فرغ قال يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها فنكس الرجل رأسه واستحى وقال رجل لعمر بن عبد العزيز أشهد أنك من الفاسقين فقال ليس تقبل شهادتك وعن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أنه سبه رجل فرمى إليه بخميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم فقال بعضهم جمع له خمس خصال محمودة الحلم وإسقاط الأذى وتخليص الرجل مما يبعد من الله عز وجل وحمله على الندم والتوبة ورجوعه إلى مدح بعد الذم اشترى جميع ذلك بشيء من الدنيا يسير وقال رجل لجعفر بن محمد إنه قد وقع بيني وبين قوم منازعة في أمر وإني أريد أن أتركه فأخشى أن يقال لي إن تركك له ذل فقال جعفر إنما الذليل الظالم وقال الخليل بن أحمد كان يقال من أساء فأحسن إليه فقد جعل له حاجز من قلبه يردعه عن مثل إساءته وقال الأحنف بن قيس لست بحليم ولكنني أتحلم وقال وهب بن منبه من يرحم يرحم ومن يصمت يسلم ومن يجهل يغلب ومن يعجل يخطيء ومن يحرص على الشر لا يسلم ومن لا يدع المراء يشتم ومن لا يكره الشر يأثم ومن يكره الشر يعصم ومن يتبع وصية الله يحفظ ومن يحذر الله يأمن ومن يتول الله يمنع ومن لا يسأل الله يفتقر ومن يأمن مكر الله يخذل ومن يستعن بالله يظفر وقال رجل لمالك بن دينار بلغني أنك ذكرتني بسوء قال أنت إذن أكرم علي من نفسي إني إذا فعلت ذلك أهديت لك حسناتي وقال بعض العلماء الحلم أرفع من العقل لأن الله تعالى تسمى به وقال رجل لبعض الحكماء والله لأسبنك سبا يدخل معك في قبرك فقال معك يدخل لا معي ومر المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام بقوم من اليهود فقالوا له شرا فقال لهم خيرا فقيل له إنهم يقولون شرا وأنت تقول خيرا فقال كل ينفق مما عنده وقال لقمان ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاث لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلا عند الحرب ولا الأخ إلى عند الحاجة إليه ودخل على بعض الحكماء صديق له فقدم إليه طعاما فخرجت امرأة الحكيم وكانت سيئة الخلق فرفعت المائدة وأقبلت على شتم الحكيم فخرج الصديق مغضبا فتبعه الحكيم وقال له تذكر يوم كنا في منزلك نطعم فسقطت دجاجة على المائدة فأفسدت ما عليها فلم يغضب أحد منا قال نعم قال فاحسب أن هذه مثل تلك الدجاجة فسري عن الرجل غضبه وانصرف وقال صدق الحكيم الحلم شفاء من كل ألم وضرب رجل قدم حكيم فأوجعه فلم يغضب فقيل له في ذلك فقال أقمته مقام حجر تعثرت به فذبحت الغضب وقال محمود الوراق سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه على الجرائم وما الناس إلا واحد من ثلاثة شريف ومشروف ومثلي مقاوم فأما الذي فوقي فأعرف قدره وأتبع فيه الحق والحق لازم وأما الذي دوني فإن قال صنت عن إجابته عرضي وإن لام لائم وأما الذي مثل فإن زل أو هفا تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم.
تعليقات
إرسال تعليق