قال القاضي ابوالفضل رضي الله عنه :لا خفاء علي من مارس شيئا من العلم انه خص بادني لمحة من فهم بتعظيم الله تعالي قدر نبينا عليه السلام وخصائصه اياه بفضائل و محاسن و مناقب لا تنضبط لزمام وتنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه الالسنة والاقلام .
فمنها ما صرح به تعالى فى كتابه ونبه به على جليل نصابه ، وأثنى عليه من أخلاقه وآدابه وحض العباد على التزامه وتقلد إيجابه ، فكان جل جلاله هو الذى تفضل واولى ثم طهر وزكى ثم مدح بذلك واثنى ثم اثاب عليه الجزاء الاوفى فله الفضل بدءا وعودا والحمد اولى واخرى .
ومنها ما أبرزه للعيان من خلقه على اتم وجوه الكمال والجلال وتخصيصه بالمحاسن الجميلة والأخلاق الحميدة والمذاهب الكريمة والفضائل العديدة والكرامات البينة التى شاهدها من عاصره ورآها من ادركه ةعلمها علم يقين من جاء بعده حتى انتهى علم حقيقة ذلك الينا وفاضت انواره علينا. صلى الله عليه وسلم كثيرا .
الفصل الاول
فى ما جاء فى المدح والثناء
قال تعالى ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم )
قال القاضى عياض :اعلم الله تعالى المؤمنين او العرب او اهل مكة او جميع الناس ـ على اختلاف المفسرين : من المواجه بهذا الخطاب انه بعث فيهم رسولا من انفسهم يعرفونه ويتحققون مكانه ويعلمون صدقه وامانته فلا يتهمونه بالكذب وترك النصيحة لهم لكونه منهم وانه لم تكن فى العرب قبيلة الا ةلها على رسول الله صلى الله عليه ةسلم ولادة او قرابة (وهو عند ابن عباس وغيره معنى قوله تعالى (الا المودة فى القربى ) ) وكونه من اشرفهم وارفعهم وافضلهم وهذه نهاية المدح ثم وصفه بعد باوصاف حميدة واثنى عليه بمحامد كثيرة من حرصه على هدايتهم ورشدهم واسلامهم وشدة ما يعنتهم ويضر بهم فى دنياهم وأخراهم وعزته ورأفته ورحمته بمؤمنهم
قال بعضهم اعطاه اسمين من اسمائه رؤوف رحيم
وكقوله فى الايه الاخرى (كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم اياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)
وروى عن على بن ابى طالب رضي اله عنه فى قوله تعالي (من انفسكم) قال
)(نسبا وصهرا وحسبا ليس فى ابائي من لدن ادم سفاح كلنا نكاح قال ابن الكلبى :كتبت للنبى صلي الله عليه وسلم خمسمائة ام فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان عليه الجاهلية.
وعن ابن عباس رضى الله عنه فى قوله تعالى (وتقلبك فى الساجدين) قال : من نبي الي نبي حتى اخرجك نبيا
وقال جعفر بن محمد : علم الله عجز خلقه عن طاعته فعرفهم ذلك لكي يعلموا انهم لا ينالون الصفو من خدمتهفاقام بينهم وبينه مخلوفا من جنسهم فى الصورة وألبسه من نعته الرافة والرحمة واخرجه الخلق سفيرا صادقا وجعل طاعته طاعته وموافقته موافقته قال تعالى (من يطع الرسول فقد اطاع الله)
قل ابوبكر بن طاهر : زين الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة فكان كونه رحمة وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق . فمن اصابه شئ من رحمته فهو الناجى فى الدارين من كل مكروه ، والواصل فيهما الى كل محبوب الا ترى ان الله تعالى يقول (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)
فكانت حياته رحمة ومماته رحمة كما قال صلى الله عليه وسلم :’حياتى خير لكم ومماتى خير لكم’ وكما قال صلى الله عليه وسلم :" اذا اراد الله رحمة بامة قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا" , وقال السمرقندى : رحمة للعالمين : يعنى للجن والانس .
وقيل : لجميع الخلق , رحمة للمؤمن بالهداية , ورحمة للمنافق بالامان من القتل , ورحمة للكافر بتأخير العذاب .
وحكى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام : "هل اصابك من هذه الرحمة شئ ؟ قال : نعم , كنت اخشي العاقبة فأمنت لثناء الله عز وجل على
بقوله "ذى قوة عند ذى العرش مكين * مطاع ثم امين "
وقال الله تعالى (الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد منشجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شئ عليم )
قال كعب وابن جرير: المراد بالنور الثانى هنا محمدا صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى : مثل نوره : اى نور محمد صلى الله عليه وسلم
وقال سهل بن عبدالله : المعنى : الله هادى اهل السموات والارض , ثم قال : مثل نور محمد اذا كان مستودعا فى الاصلاب كمشكاة , صفتها كذا , وأراد بالمصباح قلبه وبالزجاجة صدره , اى كأنه كوكب درى لما فيه من الايمان والحكمة , توقد من شجرة مباركة , اى من نور ابراهيم , وضرب المثل بالشجرة المباركة .
وقوله : يكاد زينها يضئ : اى تكاد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم تبين للناس قبل كلامه كهذا الزيت .
وقيل فى هذه الاية غير هذا , والله اعلم .
تعليقات
إرسال تعليق