الآفة الأولى الكلام فيما لا يعنيك اعلم أن أحسن أحوالك أن تحفظ ألفاظك من جميع الآفات التي ذكرناها من الغيبة والنميمة والكذب والمراء والجدال وغيرها وتتكلم فيما هو مباح لا ضرر عليك فيه ولا على مسلم أصلا إلا أنك تتكلم بما أنت مستغن عنه ولا حاجة بك إليه فإنك مضيع به زمانك ومحاسب على عمل لسانك وتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير لأنك لو صرفت زمان الكلامإلى الفكر ربما كان ينفتح لك من نفحات رحمة الله عند الفكر ما يعظم جدواه ولو هللت الله سبحانه وذكرته وسبحته لكان خيرا لك فكم من كلمة يبنى بها قصرا في الجنة ومن قدر على أن يأخذ كنزا من الكنوز فأخذ مكانه مدرة لا ينتفع بها كان خاسرا خسرانا مبينا وهذا مثال من ترك ذكر الله تعالى واشتغل بمباح لا يعنيه فإنه وإن لم يأثم فقد خسر حيث فاته الربح العظيم بذكر الله تعالى فإن المؤمن لا يكون صمته إلا فكرا ونظره إلا عبرة ونطقه إلا ذكرا حديث المؤمن لا يكون صمته إلا فكرا ونظرة إلا عبرة ونطقه إلا ذكرا لم أجد له أصلا وروي محمد بن زكريا العلائي أحد الضعفاء عن ابن عائشة عن أبيه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله أمرني أن يكون نطقي ذكرا وصمتي فكرا ونظري عبرة هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم بل رأس مال العبد أوقاته ومهما صرفها إلى مالا يعنيه ولم يدخر بها ثوابا في الآخرة فقد ضيع رأس ماله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه حديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أخرجه الترمذي وقال غريب وابن ماجه من حديث أبي هريرة بل ورد ما هو أشد من هذا قال أنس استشهد غلام منا يوم أحد فوجدنا على بطنه حجرا مربوطا من الجوع فمسحت أمه عن وجهه التراب وقالت هنيئا لك الجنة يا بني فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره حديث استشهد منا غلام يوم أحد فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع الحديث وفيه لعله كان يتكلم بما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره أخرجه الترمذي من حديث أنس مختصرا وقال غريب ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت بلفظ المصنف بسند ضعيف وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كعبا فسأل عنه فقالوا مريض فخرج يمشي حتى أتاه فلما دخل عليه قال أبشر يا كعب فقالت أمه هنيئا لك الجنة يا كعب فقال صلى الله عليه وسلم من هذه المتألية على الله قال هي أمي يا رسول الله قال وما يدريك يا أم كعب لعل كعبا قال ما لا يعنيه أو منع ما لا يغنيه حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كعبا فسأل عنه فقالوا مريض الحديث وفيه لعل كعبا قال ما لا يعنيه أو منع ما لا يغنيه أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث كعب بن عجرمة بإسناد جيد إلا أن الظاهر انقطاعه بين الصحابي وبين الراوي عنه ومعناه أنه إنما تتهيأ الجنة لمن لا يحاسب ومن تكلم فيما لا يعنيه حوسب عليه وإن كان كلامه غير مباح فلا تتهيأ الجنة مع المناقشة في الحساب فإنه نوع من العذاب وعن محمد بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة فدخل عبد الله بن سلام فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك وقالوا أخبرنا بأوثق عمل في نفسك ترجو به فقال إني لضعيف وإن أوثق ما أرجو به الله سلامة الصدر وترك ما لا يعنيني حديث محمد بن كعب إن أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة فدخل عبد الله بن سلام الحديث وفيه إن أوثق ما أرجوه سلامة الصدر وترك ما لا يعنيني أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلا وفيه أبو نجيح اختلف فيه وقال أبو ذر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أعلمك بعمل خفيف على البدن ثقيل في الميزان قلت بلى يا رسول الله قال هو الصمت وحسن الخلق وترك ما لا يعنيك حديث أبي ذر ألا أعلمك بعمل خفيف على البدن الحديث وفيه هو الصمت وحسن الخلق وترك ما لا يعنيك أخرجه ابن أبي الدنيا بسند منقطع وقال مجاهد سمعت ابن عباس يقول خمس لهن أحب إلي من الدهم الموقوفة لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل ولا آمن عليك الوزر ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا فإنه رب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فعنت ولا تمار حليما ولا سفيها فإن الحليم يقليك والسفيه يؤذيك واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به وأعفه مما تحب أن يعفيك منه وعامل أخاك بما تحب أن يعاملك به واعمل عمل رجل يعلم أنه مجازى بالإحسان مأخوذ بالاحترام وقيل للقمان الحكيم ما حكمتك قال لا أسأل عما كفيت ولا أتكلف ما لا يعنيني وقال مورق العجلي أمر أنا في طلبه منذ عشرين سنة لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه قالوا وما هو قال السكوت عما لا يعنيني وقال عمر رضي الله عنه لا تتعرض لما لا يعنيك واعتزل عدوك واحذر صديقك من القوم إلا الأمين ولا أمين إلا من خشي الله تعالى ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ولا تطلعه على سرك واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى وحد الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام ولو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر به في حال ولا مال مثاله أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار وما وقع لك من الوقائع وما استحسنته من الأطعمة والثياب وما تعجبت منه من مشايخ البلاد ووقائعهم فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تستضر وإذا بالغت في الجهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة ولا اغتياب لشخص ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك وأنى تسلم من الآفات التي ذكرناها ومن جملتها أن تسأل غيرك عما لا يعنيك فأنت بالسؤال مضيع وقتك وقد ألجأت صاحبك أيضا بالجواب إلى التضييع هذا إذا كان الشيء مما يتطرق إلى السؤال عنه آفة وأكثر الأسئلة فيها آفات فإنك تسأل غيرك عن عبادته مثلا فتقول له هل أنت صائم فإن قال نعم كان مظهرا لعبادته فيدخل عليه الرياء وإن لم يدخل سقطت عبادته من ديوان السر وعبادة السر تفضل عبادة الجهر بدرجات وإن قال لا كان كاذبا وإن سكت كان مستحقرا لك وتأذيت به وإن احتال لمدافعة الجواب افتقر إلى جهد وتعب فيه فقد عرضته بالسؤال إما للرياء أو للكذب أو للاستحقار أو للتعب في حيلة الدفع وكذلك سؤالك عن سائر عباداته وكذلك سؤالك عن المعاصي وعن كل ما يخفيه ويستحي منه وسؤالك عما حدث به غيرك فتقول له ماذا تقول وفيم أنت وكذلك ترى إنسانا في الطريق فتقول من أين فربما يمنعه مانع من ذكره فإن ذكره تأذى به واستحيا وإن لم يصدق وقع في الكذب وكنت السبب فيه وكذلك تسأل عن مسألة لا حاجة بك إليها والمسئول ربما لم تسمح نفسه بأن يقول لا أدري فيجيب عن غير بصيرة ولست أعني بالتكلم فيما لا يعني هذه الأجناس فإن هذا يتطرق إليه إثم أو ضرر وإنما مثال ما لا يعني ما روي أن لقمان الحكيم دخل على داود عليه السلام وهو يسرد درعا ولم يكن رآها قبل ذلك اليوم فجعل يتعجب مما رأى فأراد أن يسأله عن ذلك فمنعته حكمته فأمسك نفسه ولم يسأله فلما فرغ قام داود ولبسه ثم قال نعم الدرع للحرب فقال لقمان الصمت حكم وقليل فاعله أي حصل العلم به من غير سؤال فاستغني عن السؤال وقيل إنه كان يتردد إليه سنة وهو يريد أن يعلم ذلك من غير سؤال فهذا وأمثاله من الأسئلة إذا لم يكن فيه ضرر وهتك ستر وتوريط في رياء وكذب هو مما لا يعني وتركه من حسن الإسلام فهذا حده وأما سببه الباعث عليه فالحرص على معرفة ما لا حاجة به إليه أو المباسطة بالكلام على سبيل التودد أو تزجية الأوقات بحكايات أحوال لا فائدة فيها وعلاج ذلك كله أن يعلم أن الموت بين يديه وأنه مسؤول عن كل كلمة وأن أنفاسه رأس ماله وأن لسانه شبكة يقدر أن يقتنص بها الحور العين فإهماله ذلك وتضييعه خسران مبين هذا علاجه من حيث العلم وأما من حيث العمل فالعزلة أو أن يضع حصاة في فيه وأن يلزم نفسه السكوت بها عن بعض ما يعنيه حتى يعتاد اللسان ترك ما لا يعنيه وضبط اللسان في هذا على غير المعتزل شديد جدا
تعليقات
إرسال تعليق