النميمة


الآفة السادسة عشرة النميمة
قال الله تعالى هماز مشاء بنميم ثم قال عتل بعد ذلك زنيم قال عبد الله بن المبارك الزنيم ولد الزنا الذي لا يكتم الحديث وأشار به إلى أن كل من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة دل على أنه ولد زنا استنباطا من قوله عز وجل عتل بعد ذلك زنيم والزنيم هو الدعي وقال تعالى ويل لكل همزة لمزه قيل الهمزة النمام وقال تعالى حمالة الحطب قيل إنها كانت نمامة حمالة للحديث وقال تعالى فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا قيل كانت امرأة لوط تخبر بالضيفان وامرأة نوح تخبر أنه مجنون وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة نمام  وفي حديث آخر لا يدخل الجنة قتات والقتات هو النمام وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبكم إلى الله أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلى الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الإخوان الملتمسون للبرءاء العثرات وقال صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى قال المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبرءاء العيب وقال أبو ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشاع على مسلم كلمة ليشينه بها بغير حق شانه الله بها في النار يوم القيامة  وروي كعب
الأحبار أن بني إسرائيل أصابهم قحط فاستسقى موسى عليه السلام مرات فما سقوا فأوحى الله تعالى إليه إني لا أستجيب لك ولمن معك وفيكم نمام قد أصر على النميمة فقال موسى يارب من هو دلني عليه حتى أخرجه من بيننا قال يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماما فتابوا جميعا فسقوا ويقال اتبع رجل حكيما سبعمائة فرسخ في سبع كلمات فلما قدم عليه قال إني جئتك للذي آتاك الله تعالى من العلم أخبرني عن السماء وما أثقل منها وعن الأرض وما أوسع منها وعن الصخر وما أقسى منه وعن النار وما أحر منها وعن الزمهرير وما أبرد منه وعن البحر وما أغنى منه وعن اليتيم وما أذل منه فقال له الحكيم البهتان على البريء أثقل من السموات والحق أوسع من الأرض والقلب القانع أغنى من البحر والحرص والحسد أحر من النار والحاجة إلى القريب إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير وقلب الكافر أقسى من الحجر والنمام إذا بان أمره أذل من اليتيم.
بيان حد النميمة وما يجب في ردها
اعلم أن اسم النميمة إنما يطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كما تقول فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا وليست النميمة مختصة به بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه ثالث وسواء كان الكشف بالقول أبو بالكتابة أو بالرمز أو بالإيماء وسواء كان المنقول من الأعمال أو من الأقوال وسواء كان ذلك عيبا ونقصا في المنقول عنه أو لم يكن بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه بل كان ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية كما إذا رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به مراعاة لحق المشهود له فأما إذا رآه يخفي مالا لنفسه فذكره فهو نميمة وإفشاء للسر فإن كان ما ينم به نقصا وعيبا في المحكي عنه كان قد جمع بين الغيبة والنميمة فالباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكي له أو التفرج بالحديث والخوض في الفضول والباطل وكل من حملت إليه النميمة وقيل له إن فلانا قال فيك كذا وكذا أو فعل في حقك كذا أو هو يدبر في إفساد أمرك أو في ممالاة عدوك أو تقبيح حالك أو ما يجري مجراه فعليه ستة أمور الأول أن لا يصدقه لأن النمام فاسق وهو مردود الشهادة قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة الثاني أن ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله قال الله تعالى وأمر بالمعروف وانه عن المنكر الثالث أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى ويجب بغض من يبغضه الله تعالى الرابع أن لا تظن بأخيك الغائب السوء لقول الله تعالى اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم الخامس أن لا يحملك ما حكى لك على التجسس والبحث لتحقق اتباعا لقول الله تعالى ولا تجسسوا السادس أن لا ترضى لنفسك ما نهيت النمام عنه ولا تحكي نميمته فتقول فلان قد حكى لي كذا وكذا فتكون به نماما ومغتابا وقد تكون قد أتيت ما عنه نهيت وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئا فقال له عمر إن شئت نظر نافي أمرك فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية هماز مشاء بنميم وإن شئت عفونا عنك فقال العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدا وذكر أن حكيما من الحكماء زاره بعض إخوانه فأخبره بخبر عن بعض أصدقائه فقال له الحكيم قد أبطأت في الزيارة وأتيت بثلاث جنايات بغضت أخي إلي وشغلت قلبي الفارغ واتهمت نفسك الأمينة وروي أن سليمان بن عبد الملك كان جالسا وعنده الزهري فجاءه رجل فقال له سليمان بلغني أنك وقعت في وقلت كذا وكذا فقال الرجل ما فعلت ولا قلت فقال سليمان إن الذي أخبرني صادق فقال له الزهري لا يكون النمام صادقا فقال سليمان صدقت ثم قال للرجل اذهب بسلام وقال الحسن من نم إليك نم عليك وهذا إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يبغض ولا يوثق بقوله ولا بصداقته وكيف لا يبغض وهو لا ينفك عن الكذب والغيبة والغدر والخيانة والغل والحسد والنفاق والإفساد بين الناس والخديعة وهو ممن يسعون في قطع ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض وقال تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق والنمام منهم وقال صلى الله عليه وسلم إن من شرار الناس من اتقاه الناس لشره حديث إن من شر الناس اتقاه الناس لشره متفق عليه من حديث عائشة نحوه والنمام منهم وقال لا يدخل الجنة قاطع قيل وما القاطع قال قاطع بين الناس حديث لا يدخل الجنة قاطع متفق عليه من حديث جبير بن مطعم وهو النمام وقيل قاطع الرحم وروي عن علي رضي الله عنه أن رجلا سعى إليه برجل فقال له يا هذا نحن نسأل عما قلت فإن كنت صادقا مقتناك وإن كنت كاذبا عاقبناك وإن شئت أن نقيلك أقلناك فقال أقلني يا أمير المؤمنين وقيل لمحمد بن كعب القرظي أي خصال المؤمن أوضع له فقال كثرة الكلام وإفشاء السر وقبول قول كل أحد وقال رجل لعبد الله ابن عامر وكان أميرا بلغني أن فلانا أعلم الأمير أني ذكرته بسوء قال قد كان ذلك قال فأخبرني بما قال لك حتى أظهر كذبه عندك قال ما أحب أن أشتم نفسي بلساني وحسبي أني لم أصدقه فيما قال ولا أقطع عنك الوصال وذكرت السعاية عند بعض الصالحين فقال ما ظنكم بقوم يحمد الصدق من كل طائفة من الناس إلا منهم وقال مصعب بن الزبير نحن نرى أن قبول السعاية شر من السعاية لأن السعاية دلالة والقبول إجازة وليس من دل على شيء فأخبر به كمن قبله وأجازه فاتقوا الساعي فلو كان صادقا في قوله لكان لئيما في صدقه حيث لم يحفظ الحرمة ولم يستر العورة والسعاية هي النميمة إلا إنها إذا كانت إلى من يخاف جانبه سميت سعاية وقد قال صلى الله عليه وسلم الساعي بالناس إلى الناس لغير رشدة حديث الساعي بالناس إلى الناس لغير رشدة أخرجه الحاكم من حديث أبي موسى من سعى بالناس فهو لغير رشدة أو فيه شيء منها وقال له أسانيد هذا أمثلها قلت فيه سهل بن عطية قال فيه ابن طاهر في التذكرة منكر الرواية قال والحديث لا أصل له وقد ذكر ابن حبان في الثقات سهل بن عطية ورواه الطبراني بلفظ لا يسعى على الناس إلا ولد بغى وإلا من فيه عرق منه وزاد بين سهل وبين بلال بن أبي بردة أبا الوليد القرشي يعني ليس بولد حلال
 ودخل رجل على سليمان بن عبد الملك فاستأذنه في الكلام وقال إني مكلمك يا أمير المؤمنين بكلام فاحتمله إن كرهته فإن وراءه ما تحب إن قبلته فقال قل فقال يا أمير المؤمنين إنه قد اكتنفك رجال ابتاعوا دنياك بدينهم ورضاك بسخط ربهم خافوك في الله ولم يخافوا الله فيك فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه ولا تصخ إليهم فيما استحفظك الله إياه فإنهم لن يألوا في الأمة خسفا وفي الأمانة تضييعا والأعراض قطعا وانتهاكا أعلى قربهم البغي والنميمة وأجل وسائلهم الغيبة والوقيعة وأنت مسئول عما أجرموا وليسوا المسئولين عما أجرمت فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره وسعى رجل بزياد الأعجم إلى سليمان بن عبد الملك فجمع بينهما للموافقة فأقبل زياد على الرجل وقال فأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليا فخنت وإما قلت قولا بلا علم فأنت من الأمر الذي كان بيننا بمنزلة بين الخيانة والإثم وقال رجل لعمرو بن عبيد إن الأسواري ما يزال يذكرك في قصصه بشر فقال له عمرو يا هذا ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ولا أديت حقي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ولكن أعلمه أن الموت يعمنا والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا والله تعالى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين ورفع بعض السعاة إلى الصاحب بن عباد رقعة نبه فيها على مال يتيم يحمله على أخذه لكثرته فوقع على ظهرها السعاية قبيحة وإن كانت صحيحة فإن كنت أجريتها مجرى النصح فخسرانك فيها أفضل من الربح ومعاذ الله أن نقبل مهتوكا في مستور ولولا أنك في خفارة شيبتك لقابلناك بما يقتضيه فعلك في مثلك فتوق يا ملعون العيب فإن الله أعلم بالغيب الميت رحمه الله واليتيم جبره الله والمال ثمره الله والساعي لعنه الله وقال لقمان لابنه يا بني أوصيك بخلال إن تمسكت بهن لم تزل سيدا أبسط خلقك للقريب والبعيد وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم واحفظ إخوانك وصل أقاربك وآمنهم من قبول قول ساع أو سماع باغ يريد فسادك ويروم خداعك وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك وقال بعضهم النميمة مبنية على الكذب والحسد والنفاق وهي أثافي الذل وقال بعضهم لو صح ما نقله النمام إليك لكان هو المجتريء بالشتم عليك والمنقول عنه أولى بحلمك لأنه لم يقابلك بشتمك وعلى الجملة فشر النمام عظيم ينبغي أن يتوقى قال حماد بن سلمة باع رجل عبدا وقال للمشتري ما فيه عيب إلا النميمة قال رضيت فاشتراه فمكث الغلام أياما ثم قال لزوجة مولاه إن سيدي لا يحبك وهو يريد إن يتسرى عليك فخذي الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات حتى أسحره عليها فيحبك ثم قال للزوج إن امرأتك اتخذت خليلا وتريد أن تقتلك فتناوم لها حتى تعرف ذلك فتناوم لها فجاءت المرأة بالموسى فظن أنها تريد قتله فقام إليها فقتلها فجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج ووقع القتال بين القبيلتين فنسأل الله حسن التوفيق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
>حديث لا يدخل الجنة نمام وفي حديث آخر قتات متفق عليه من حديث حذيفة وقد تقدم
>حديث أبي هريرة وأحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير وتقدم في آداب الصحبة 
>حديث ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى قال المشاءون بالنميمة الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي مالك الأشعري وقد تقدم 

تعليقات