قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا ولايملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب (1) وعن أبي واقدالليثي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوحىأليه أتيناه يعلمنا مما أوحى إليه فجئته ذات يوم فقال إن الله عز وجل يقول إناأنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد من ذهب لأحب أنيكون له ثان ولو كان له الثاني لأحب أن يكون لهما ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلاالتراب ويتوب الله على من تاب (2)
ولما كانت هذه جبلة للآدميمضلة وغريزة مهلكة أثنى الله تعالى ورسوله على القناعة فقال صلى الله عليه وسلم طوبي لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به(6) وقال صلىالله عليه وسلم ما من أحد فقير ولا غني إلا ود يوم القيامةأنه كان أوتي قوتا في الدنيا (7)
وقال صلى الله عليه وسلم ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس(8) ونهىعن شدة الحرص والمبالغة في الطلب فقال أيها الناس أجملوافي الطلب فإنه ليس لعبد إلا ما كتب له ولن يذهب عبد من الدنيا حتى يأتيه ما كتب لهمن الدنيا وهي راغمة (9)
وروي أن موسى عليه السلام سألربه تعالى فقال أي عبادك أغنى قال أقنعهم مما أعطيته قال فأيهم أعدل قال من أنصفمن نفسه وقال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في روعي إن نفس لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا اللهوأجملوا في الطلب (10) وقال أبو هريرة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة إذا اشتد بك الجوع فعليك برغيف وكوز من ماءوعلى الدنيا الدماروقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم كن ورعا تكن أعبد الناس وكن قنعا تكن أشكرالناس وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا (11) ونهى رسول الله صلى اللهعليه وسلم عن الطمع فيما رواه أبو أيوب الأنصاري أن أعرابياأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عظني وأوجز فقال إذا صليت فصلصلاة مودع ولا تحدثن بحديث تعتذر منه غدا وأجمع اليأس مما في أيدي الناس (12)وقال عوف بن مالك الأشجعي كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع أو ثمانية أوسبعة فقال ألا تبايعون رسول الله قلنا أو ليس قد بايعناكيا رسول الله ثم قال ألا تبايعون رسول الله فبسطنا أيدينا فبايعناه فقال قائل مناقد بايعناك فعلى ماذا نبايعك قال أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وتصلوا الخمسوأن تسمعوا وتطيعوا وأسر كلمة خفية ولا تسألوا الناس شيئا (13) قال فلقدكان بعض أولئك النفر يسقط سوطه فلا يسأل أحدا أن يناوله إياه
ـــــــــــ
(1) حديث لو كان لابن آدم واديانمن ذهب لابتغى لهما ثالثا الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس وأنس
(2) حديث أبي واقد الليثي إنالله عز وجل يقول إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة الحديث أخرجه أحمدوالبيهقي في الشعب بسند صحيح
(3) حديث أبي موسى نزلت سورة نحوبراءة ثم رفعت وحفظ منها إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم لو أن لابنآدم واديين من مال الحديث أخرجه مسلم مع اختلاف دون قوله إن الله يؤيد هذا الدينورواه بهذه الزيادة الطبراني وفيه علي بن زيد متكلم فيه
(4) حديث منهومان لا يشبعانالحديث أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود بسند ضعيف
(5) حديث يهرم ابن آدم ويشب معهاثنتان الحديث متفق عليه من حديث أنس
(6) حديث طوبى لمن هدي للإسلاموكان عيشه كفافا وقنع به أخرجه الترمذي وصححه والنسائي في الكبرى من حديث فضالةابن عبيد ولمسلم من حديث عبد الله بن عمر وقد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه اللهبما آتاه
(7) حديث ما من أحد غني ولا فقيرإلا ود يوم القيامة أنه كان أوتي في الدنيا قوتا أخرجه ابن ماجه من رواية نفيع بنالحارث عن أنس ونفيع ضعيف
(8) حديث ليس الغنى عن كثرة العرضوإنما الغنى غنى النفس متفق عليه من حديث أبي هريرة
(9) حديث ألا أيها الناس أجملوا فيالطلب فإنه ليس لعبد إلا ما كتب له أخرجه الحاكم من حديث جابر بنحوه وصحح إسناده وقدتقدم في آداب الكسب والمعاش
(10) حديث ابن مسعود إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستكملرزقها الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة والحاكم مع اختلاف وقد تقدم فيه
(11) حديث أبي هريرة كن ورعا تكن أعبد الناس الحديث أخرجه ابن ماجه وقد تقدم
(12) حديث أبي أيوب إذا صليت فصل صلاة مودع ولا تحدثن بحديث تعتذر منه وأجمعاليأس مما في أيدي الناس أخرجه ابن ماجه وتقدم في الصلاة وللحاكم نحوه من حديث سعدبن أبي وقاص وقال صحيح الإسناد
(13) حديث عوف بن مالك كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية أوتسعة فقال ألا تبايعون الحديث وفيه ولا تسألوا الناس أخرجه مسلم من حديثه ولم يقلفقال قائل ولا قال تسمعوا وقال سوط أحدهم وهي عند أبي داود وابن ماجه كما ذكرهاالمصنف
الآثار
قال عمر رضي الله عنه إنالطمع فقر وإن اليأس غنى وإنه من ييأس عما في أيدي الناس استغنى عنهم وقيل لبعضالحكماء ما الغنى قال قلة تمنيك ورضاك بما يكفيك وفي ذلك قيل العيش ساعات تمروخطوب أيام تكر اقنع بعيشك ترضه واترك هواك تعيش حر فلرب حتف ساقه ذهب وياقوت ودروكان محمد بن واسع يبل الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول من قنع بهذا لم يحتج إلىأحد وقال سفيان خير دنياكم ما لم تبتلوا به وخير ما ابتليتم به ما خرج من أيديكم
وقال ابن مسعود ما من يوم إلاوملك ينادي يا ابن آدم قليل يكفيك خير من كثير يطغيك وقال سميط بن عجلان إنما بطنكيابن آدم شبر في شبر فلم يدخلك النار وقيل لحكيم ما مالك قال التجمل في الظاهروالقصد في الباطن واليأس مما في أيدي الناس ويروى أن الله عز وجل قال يا ابن آدملو كانت الدنيا كلها لك لم يكن لك منها إلا القوت وإذا أنا أعطيتك منها القوتوجعلت حسابها على غيرك فأنا إليك محسن وقال ابن مسعود إذا طلب أحدكم الحاجةفليطلبها طلبا يسيرا ولا يأتي الرجل فيقول إنك وإنك فيقطع ظهره فإنما يأتيه ما قسمله من الرزق أو ما رزق وكتب بعض بني أمية إلى أبي حازم يعزم عليه إلا رفع إليهحوائجه فكتب إليه قد رفعت حوائجي إلى مولاي فما أعطاني منها قبلت وما أمسك عنيقنعت وقيل لبعض الحكماء أي شيء أسر للعاقل وأيما شيء أعون على دفع الحزن فقالأسرها إليه ما قدم من صالح العمل وأعونها له على دفع الحزن الرضا بمحتوم القضاءوقال بعض الحكماء وجدت أطول الناس غما الحسود وأهنأهم عيشا القنوع وأصبرهم علىالأذى الحريص إذا طمع وأخفضهم عيشا أرفضهم للدنيا وأعظمهم ندامة العالم المفرط وفيذلك قيل أرفه ببال فتى أمسى على ثقة أن الذي قسم الأرزاق يرزقه فالعرض منه مصون لايدنسه والوجه منه جديد ليس يخلقه إن القناعة من يحلل بساحتها لم يلق في دهره شيئايؤرقه وقد قيل أيضا حتى متى أنا في حل وترحال وطول سعي وإدبار وإقبال ونازح الدارلا أنفك مغتربا عن الأحبة لا يدرون ما حالي بمشرق الأرض طورا ثم مغربها لا يخطرالموت من حرصي على بالي ولو قنعت أتاني الرزق في دعه إن القنوع الغني لا كثرةالمال وقال عمر رضي الله عنه ألا أخبركم بما أستحل من مال الله تعالى حلتان لشتائيوقيظي وما يسعني من الظهر لحجي وعمرتي وقوتي بعد ذلك كقوت رجل من قريش لست بأرفعهمولا بأوضعهم فوالله ما أدري أيحل ذلك أم لا كأنه شك في أن هذا القدر هل هو زيادةعلى الكفاية التي تجب القناعة بها
وعاتب أعرابي أخاه على الحرصفقال يا أخي أنت طالب ومطلوب يطلبك من لا تفوته وتطلب أنت ما قد كفيته وكأن ما غابعنك قد كشف لك وما أنت فيه قد نقلت عنه كأنك يا أخي لم تر حريصا محروما وزاهدا مرزوقاوفي ذلك قيل أراك يزيدك الإثراء حرصا على الدنيا كأنك لا تموت فهل لك غاية إن صرتيوما إليها قلت حسبي قد رضيت وقال الشعبي حكى أن رجلا صاد قنبرة فقالت ما تريد أنتصنع بي قال أذبحك وآكلك قالت والله ما أشفى من قرم ولا أشبع من جوع ولكن أعلمكثلاث خصال هي خير لك من أكلي أما واحدة فأعلمك وأنا في يدك وأما الثانية فإذا صرتعلى الشجرة وأما الثالثة فإذا صرت على الجبل قالت هات الأولى قالت لا تلهفن على مافاتك فخلاها فلما صارت على الشجرة قال هات الثانية لا تصدقن بما لا يكون أنه يكونثم طارت فصارت على الجبل فقالت يا شقي لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درتين زنة كلدرة عشرون مثقالا قال فعض على شفته وتلهف وقال هات الثالثة قالت أنت قد نسيتاثنتين فكيف أخبرك بالثالثة ألم أقل لك لا تلهفن على ما فاتك ولا تصدقن بما لايكون أن يكون أنا لحمي ودمي وريشي لا يكون عشرين مثقالا فكيف يكون في حوصلتي درتانكل واحدة عشرون مثقالا ثم طارت فذهبت وهذا مثال لفرط طمع الآدمي فإنه يعميه عن دركالحق حتى يقدر ما لا يكون أنه يكون وقال ابن السماك إن الرجاء حبل في قلبك وقيد فيرجلك فأخرج الرجاء من قلبك يخرج القيد من رجلك وقال أبو محمد اليزيدي دخلت على الرشيدفوجدته ينظر في ورقة مكتوب فيها بالذهب فلما رآني تبسم فقلت فائدة أصلح الله أميرالمؤمنين قال نعم وجدت هذين البيتين في بعض خزائن بني أمية فاستحسنتهما وقد أضفتإليهما ثالثا وأنشدني
إذا سد بابعنك من دون حاجة فدعه لأخرى ينفتح لك بابها
فإن قرابالبطن يكفيك ملؤه ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها
ولا تكمبذالا لعرضك واجتنب ركوب المعاصي يجتنبك عقابها
وقال عبد الله بن سلام لكعب ما يذهب العلوم منقلوب العلماء إذ وعوها وعقلوها قال الطمع وشره النفس وطلب الحوائج وقال رجل للفضيلفسر لي قول كعب قال يطمع الرجل في الشيء يطلبه فيذهب عليه دينه وأما الشره فشرهالنفس في هذا حتى لا تحب أن يفوتها شيء ويكون لك إلى هذا حاجة وإلى هذا حاجة فإذاقضاها لك خرم أنفك وقادك حيث شاء واستمكن منك وخضعت له فمن حبك للدنيا سلمت عليه إذامررت به وعدته إذا مرض لم تسلم عليه لله عز وجل ولم تعده لله فلو لم يكن لك إليهحاجة كان خيرا لك ثم قال هذا خير لك من مائة حديث عن فلان عن فلان قال بعض الحكماءمن عجيب أمر الإنسان أنه لو نودي بدوام البقاء في أيام الدنيا لم يكن في قوى خلقتهمن الحرص على الجمع أكثر مما قد استعمله مع قصر مدة التمتع وتوقع الزوال وقال عبدالواحد بن زيد مررت براهب فقلت له من أين تأكل قال من بيدر اللطيف الخبير الذي خلقالرحا يأتيها بالطحين وأومأ بيده إلى رحا أضراسه فسبحان القدير الخبير
تعليقات
إرسال تعليق