ذم الدنيا


الكدورات ولا ينفك سرورها عن المنغصات سلامتها تعقب السقم وشبابها يسوق إلى الهرمونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم فهي خداعة مكارة طيارة فرارة لا تزال تتزينلطلابها حتى إذا صاروا من أحبابها كشرت لهم عن أنيابها وشوشت عليهم مناظم أسبابهاوكشفت لهم عن مكنون عجائبها فأذاقتهم قواتل سمامها ورشقتهم بصوائب سهامها بينماأصحابها منها في سرور وإنعام إذ ولت عنها كأنها أضغاث أحلام ثم عكرت عليهمبدواهيها فطحنتهم طحن الحصيد ووارتهم في أكفانهم تحت الصعيد إن ملكت واحدا منهمجميع ما طلعت عليه الشمس جعلته حصيدا كأن لم يغن بالأمس تمنى أصحابها سرورا وتعدهمغرورا حتى يأملون كثيرا ويبنون قصورا فتصبح قصورهم قبورا وجمعهم بورا وسعيهم هباءمنثورا ودعاؤهم ثبورا هذه صفتها وكأن أمر الله قدرا مقدورا والصلاة والسلام علىمحمد عبده ورسوله المرسل إلى العالمين بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا وعلى من كان منأهله وأصحابه له في الدين ظهيرا وعلى الظالمين نصيرا وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فإن الدنيا عدوة للهوعدوة لأولياء الله وعدوة لأعداء الله أما عداوتها لله فإنها قطعت الطريق على عبادالله ولذلك لم ينظر الله إليها منذ خلقها وأما عداوتها لأولياء الله عز وجل فإنهتزينت لهم بزينتها وعمتهم بزهرتها ونضارتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتهاوأما عداوتها لأعداء الله فإنها استدرجتهم بمكرها وكيدها فاقتنصتهم بشبكتها حتىوثقوا بها وعولوا عليها فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها فاجتنوا منها حسرة تتقطعدونها الأكباد ثم حرمتهم السعادة أبد الآباد فهم على فراقها يتحسرون ومن مكايدهايستغيثون ولا يغاثون بل يقال لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون أولئك الذي اشتروا الحياةالدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون وإذا عظمت غوائل الدنيا وشرورهافلا بد أولا من معرفة حقيقة الدنيا وما هي وما الحكمة في خلقها مع عداوتها ومامدخل غرورها وشرورها فإن من لا يعرف الشر لا يتقيه ويوشك أن يقع فيه ونحن نذكر ذمالدنيا وأمثلتها وحقيقتها وتفصيل معانيها وأصناف الأشغال المتعلقة بها ووجه الحاجةإلى أصولها وسبب انصراف الخلق عن الله بسبب التشاغل بفضولها إن شاء الله تعالى وهوالمعين على ما يرتضيه.

تعليقات