تعظيم الله لقدر النبى

القسم الأول
في تعظيم العلي الأعلى لقدر هذا النبي قولاًو فعلاً
قال [ الفقيه ] القاضي الإمام أبو الفضل رضي الله عنه :
لا خفاء على من مارس شيئاً من العلم ، أو خص بأدنى لمحة من فهم ، بتعظيم الله تعالى قدر نبينا عليه [ الصلاة و ] السلام ، و خصوصه إياه بفضائل و محاسن و مناقب لا تنضبط لزمام ، و تنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه الألسنة و الأقلام .
فمنها ما صرح به الله تعالى في كتابه ، و نبه به على جليل نصابه ، و أثنى عليه من أخلاقه و أدابه ، و حض العباد على التزامه ، و تقلد إيجابه ، فكان جل جلاله هو الذي تفضل و أولى ، ثم طهر و زكى ، ثم مدح بذلك و أثنى ، ثم أثاب عليه الجزاء الأوفى ، فله الفضل بدءاً [ 6 ] و عودا ً ، و الحمد أولى و أخرى .
ومنها ماأبرزه للعيان من خلقه على أتم وجوه الكمال و الجلال ، و تخصيصه بالمحاسن الجميلة و الأخلاق الحميدة ، و المذاهب الكريمة ، و الفضائل العديدة ، و تأييده بالمعجزات الباهرة ، و البراهين الواضحة ، و الكرامات البينة التي شاهدها من عاصره و رآها من أدركه ، و علمها علم يقين من جاء بعده ، حتى انتهى علم ذلك إلينا ، و فاضت أنواره علينا ، صلى الله عليه وسلم كثيراً .
حدثنا القاضي الشهيد أبو علي الحسين بن محمد الحافظ ، رحمه الله قراءة منى عليه ، قال : أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار ، و أبو الفضل أحمد بن خيرون ، قالا : حدثنا أبو يعلى البغدادي ، قال : حدثنا أبو علي السنجي ، قال : محمد بن أحمد ابن محبوب ، قال : حدثنا أبو عيسى بن سورة الحافظ ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بالبراق ليلة أسري به ملجماً مسرجاً، فاستصعب عليه ، فقال له جبريل : أبمحمد تفعل هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه . قال : فارفض عرقاً .


الباب الأول : في ثناء الله تعالى عليه و إظهاره عظيم قدره لديه

اعلم أن في كتاب الله العزيز آيات كثيرة مفصحة بجميل ذكر المصطفى ، و عد محاسنه ، و تعظيم أمره ، و تنويه قدره ، اعتمدنا منها على ما ظهر معناه ، و بان فحواه ، و جمعنا ذلك في عشرة فصول :
الفصل الأول
فيما جاء من ذلك مجيء المدح و الثناء و تعداد المحاسن ، كقوله تعالى : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم [ سورة التوبة /9 : الآية 128 ] .
قال السمرقندي [ 6 ] : و قرأ بعضهم : من أنفسكم ـ بفتح الفاء . و قراءة الجمهور بالضم .
قال القاضي الإمام أبو الفضل ـ [ وفقه الله ] أعلم الله تعالى المؤمنين ، أو العرب ، أو أهل مكة ، أو جميع الناس ، على اختلاف المفسرين : من المواجه بهذا الخطاب أنه بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يعرفونه ، و يتحققون مكانه ، و يعلمونه صدقه و أمانته ، فلا يتهمونه بالكذب و ترك النصيحة لهم ، لكونه منهم ، و أنه لم تكن في العرب قبيلة إلا و لها على رسول الله صلى الله عليه و سلم ولادة أو قرابة ، [ و هو عند ابن عباس و غيره معنىقوله تعالى : إلا المودة في القربى ] و ك ونه من أشرفهم ، و أرفعهم ، و أفضلهم ، على قراءة الفتح ، و هذه نهاية المدح ، ثم وصفه بعد بأوصاف حميدة ، و أثنى عليه بمحامد كثيرة ، من حرصه على هدايتهم و رشدهم و إسلامهم ، و شدة ما يعنتهم و يضر بهم في دنياهم و أخراهم ، و عزته و رأفته و رحمته بمؤمنهم .
قال بعضهم : أعطاه اسمين من أسمائه : رؤوف ، رحيم .
و مثله في الآية الأخرى : قوله تعالى : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [ سورة آل عمران /3 ، الأية : 164]
و في الأية الأخرى : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [ سورة الجمعة /62 : الأية 2 ] .
و قوله تعالى : كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون [ سورة البقرة /2 : الآية 151 ] .
و روي عن علي بن أبي طالب ، عنه صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى : من أنفسكم قال : نسباً و صهراً و حسباً ، ليس فى آبائي من لدن آدم سفاح ، كلنا نكاح .
[ قال ابن الكلبي : كتبت للنبي صلى الله عليه و سلم خمسمائة أم ، فما وجدت فيهن سفاحاً و لا شيئاً مما كان عليه الجاهلية .
و عن ابن عباس رضي الله عنه ـ في قوله تعالى : وتقلبك في الساجدين ـ قال : من نبي إلى نبي ، حتى أخرجك نبياً ] .
و قال جعفر ابن محمد : علم الله عجز خلقه عن طاعته ، فعرفهم ذلك ، لكي يعلموا أنهم لا ينالون الصفو من خدمته ، فأقام بينهم و بينه مخلوقاً من جنسهم في الصورة ، و ألبسه من نعمته [ 7 ] الرأفة و الرحمة ، و أخرجه إلى الخلق سفيراً صادقاً ، و جعل طاعته طاعته ، و موافقته ، فقال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله .
و قال الله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ سورة الأنبياء / 21 : الآية 107 ] .
قال أبو بكر بن طاهر : زين الله تعالى محمداً صلى الله عليه و سلم بزينة الرحمة ، فكان كونه رحمة ، و جميع شمائله و صفاته رحمة على الخلق ، فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه ، و الواصل فيهما إلى كل محبوب ، ألا ترى أن الله يقول : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، فكانت حياته رحمة ، و مماته رحمة ، كما قال عليه السلام : حياتي خير لكم و موتي خير لكم و كما قال عليه الصلاة و السلام : إذا أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها ، فجعله لها فرطاً و سلفاً . و قال السمر قندي : رحمة للعالمين : يعني للجن و الإنس .
و قيل : لجميع الخلق ، للمؤمن رحمة بالهداية ، و رحمة للمنافق بالأمان من القتل ، و رحمة للكافر بتأخير العذاب .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو رحمة للمؤمنين و للكافرين ، إذ عوفوا مما أصاب غيرهم من الأمم المكذبة .
و حكى أن النبى صلى الله عليه و سلم قال لجبريل عليه السلام : هل أصابك من هذه الرحمة شىء ؟ قال : نعم ، كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء الله عز وجل علي بقوله : ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين [ سورة التكوير / 81 : الأية 20 ـ 21 ] .
و روي عن جعفر بن محمد الصادق ـ فى قوله تعالى : فسلام لك من أصحاب اليمين . أي بك ، إنما وقعت سلامتهم من أجل كرامة محمد صلى الله عليه و سلم .
و قال الله تعالى : الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم [ سورة النور / 24 : الأية 35 ] .
قال كعب ، و ابن جبير : المراد بالنور الثاني هنا محمد عليه السلام [7 ] . و قوله تعالى مثل نوره أي نور محمد صلى الله عليه و سلم .
و قال سهل بن عبد الله : المعنى : الله هادي أهل السموات و الأرض ، ثم قال : مثل نور محمد إذ كان مستودعاً في الأصلاب كمشكاة صفتها كذا ، و أراد بالمصباح قلبه ، و بالزجاجة صدره ، أي كأنه كوكب دري لما فيه من الإيمان و الحكمة يوقد من شجرة مباركة أي من نور إبراهيم . و ضرب المثل بالشجرة المباركة .
و قوله : يكاد زيتها يضيء أي تكاد نبوة محمد صلى الله عليه و سلم تبين للناس قبل كلامه كهذا الزيت .
و قيل في هذه الآية غير هذا . و الله أعلم .
و قد سماه الله تعالى في القرآن في غير هذا الموضع نوراً و سراجاً منيراً ، فقال تعالى : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين [ سورة المائدة / 5 : الآية 15 ] .
و قال تعالى : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا [ سورة الأحزاب / 33 : الأية 45 ـ 46 ] .
و من ه ذا قوله تعالى : ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك * فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا * فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب [ سورة الشرح / 94 ] .
شرح : وسع . و المراد بالصدر هنا : القلب . قال ابن عباس : شرحه بالإسلام .
و قال سهل : بنور الرسالة .
و قال الحسن : ملأه حكماً و علماً .
و قيل : معناه ألم نطهر قلبك حتى لا يؤذيك الوسواس . و وضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك :
قيل : ما سلف من ذنبك ـ يعني قبل النبوة .
و قيل : أراد ثقل أيام الجاهلية .
و قيل : أراد ما أثقل ظهره من الرسالة حتى بلغها . حكاه الماوردي و السلمي .
و قيل : عصمناك ، و لولا ذلك لأثقلت الذنوب ظهرك ، حكاه السمرقندي .
ورفعنا لك ذكرك قال يحيى بن آدم : بالنبوة . و قيل : إذا ذكرت ذكرت معي قول : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . و قيل : في الأذان [ 8 ] .
قال القاضي أبو الفضل : هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه صلى الله عليه وسلم على عظيم نعمه لديه ، و شريف منزلته عنده ، و كرامته عليه ، بأن شرح قلبه للإيمان و الهداية ، و وسعه لوعى العلم ، و حمل الحكمة ، و رفع عنه ثقل أمور الجاهلية عليه ، و بغضه لسيرها ، و ما كانت عليه بظهور دينه على الدين كله ، و حط عنه عهدة أعباء الرسالة و النبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم ، و تنويهه بعظيم مكانه ، و جليل رتبته ، و رفعه و ذكره ، و قرانه مع اسمه اسمه .
قال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب و لا متشهد و لا صاحب صلاة إلا يقول : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله .
و روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل عليه السلام ، فقال : إن ربي و ربك يقول : تدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت : الله و رسوله أعلم . قال : إذا ذكرت ذكرت معي .
قال ابن عطاء : جعلت تمام الإيمان بذكري معك .
و قال أيضاً : جعلتك ذكراً من ذكرى ، فمن ذكرك ذكرني .
و قال جعفر بن محمد الصادق : لا يذكرك أحد بالرسالة إلا ذكرني بالربوبية .      
و أشار بعضهم في ذلك إلى الشفاعة .
و من ذكره معه تعالى أن قرن طاعته بطاعته و اسمه باسمه ، فقال تعالى : أطيعوا الله والرسول . و آمنوا بالله ورسوله ، فجمع بينهما بواو العطف المشركة .
و لا يجوز جمع هذا الكلام في غير حقه عليه السلام .
حدثنا الشيخ أبو علي الحسين بن محمد الجياني الحافظ فيما أجازنيه [ 8 ] ، و قرأته على الثقة عنه ، قال : حدثنا أبو عمر النمري ، قال : حدثنا أبو محمد بن عبد المؤمن ، حدثنا أبو بكر بن داسة : حدثنا أبو داود السجزي ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن عبد الله بن يسار ، عن حذيفة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : لا يقولن أحدكم ما شاء الله و شاء فلان ، و لكن ما شاء الله ثم شاء فلان .
قال الخطابي : أرشدهم صلى الله عليه و سلم إلى الأدب في تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه ، و اختارها بثم التي هي للنسق و التراخي ، بخلاف الواو التي هي للإشتراك .
و مثله الحديث الآخر : إن خطيباً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : من يطع الله و رسوله فقد رشد ، و من يعصهما . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : بئس خطيب القوم أنت ! قم . أو قال : اذهب . قال أبو سليمان : كره منه الجمع بين الاسمين بحرف الكناية لما فيه من التسوية .
و ذهب غيره إلى أنه كره له الوقوف على يعصهما .
و قول أبي سليمان أصح ، لما روي في الحديث الصحيح أنه قال : و من يعصهما فقد غوى ، و لم يذكر الوقوف على يعصهما .
و قد اختلف المفسرون و أصحاب المعاني في قوله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي ، هل [ يصلون ] راجعة على الله تعالى و الملائكة أم لا ؟ .
فأجازه بعضهم ، و منعه آخرون ، لعلة التشريك ، و خصوا الضميربالملائكة ، و قدروا االآية : إن الله يصلي ، و ملائكته يصلون .
و قد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : من فضيلتك عند الله أن جعل طاعتك طاعته ، فقال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله [ سورة النساء / 4 : الآية 80 ] .
و قد قال [ 9 ] تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين [سورة آل عمران / 3 : الآية31 ـ 32 ] .
روي أنه لما نزلت هذه الآية قالوا : إن محمداً يريد أن نتخذه حناناً كما اتخذت النصارى عيسى ، فأنزل الله تعالى : قل أطيعوا الله والرسول فقرن طاعته بطاعته رغماً لهم . و قد اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى في أم الكتاب : اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم ، فقال أبو العالية ، و الحسن البصر ي : الصراط المستقيم هو رسول الله صلى الله عليه و سلم و خيار أ هل بيته و أصحابه ، حكاه عنهما أبو الحسن المارودي و حكى مكي عنهما نحوه ، و قال : هو رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحباه : أبو بكر و عمر رضي الله عنهما .
و حكى أبو الليث السمرقندي مثله عن أبي العالية ، في قوله تعالى : صراط الذين أنعمت عليهم ، قال : فبلغ ذلك الحسن ، فقال : صدق و الله و نصح .
و حكى الماوردي ذلك في تفسير : صراط الذين أنعمت عليهم عن عبد الرحمن بن زيد .
و حكى أبو عبد الرحمن السلمي ، عن بعضهم ، في تفسير قوله تعالى : فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ـ أنه محمد صلى الله عليه و سلم .
و قيل : الإسلام .
و قيل : شهادة التوحيد .
و قال سهل في قوله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ـ قال : نعمته بمحمد صلى الله عليه و سلم .
و قال تعالى : والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون * لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ( سورة الزمر / 39 : الأية 33 ، 34 ) .
أكثر المفسرين على أن الذي جاء بالصدق هو محمد صلى الله عليه و سلم .
و قا ل بعضهم : و هو الذي صدق به .
و قرىء : صدق ـ بالتخفيف .
و قال غيرهم : الذي صدق به المؤمنون [ 9 ] .
و قيل أبو بكر . و قيل علي . غير هذا من الأقوال .
و عن مجاهد ـ في قوله تعالى : ألا بذكر الله تطمئن القلوب ـ قال : بمحمد صلى الله عليه و سلم و أصحابه .
الفصل الثاني
في وصفه تعالى له بالشهادة و ما يتعلق بها من الثناء و الكرامة
قال الله تعالى : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ( سورة الأحزاب /33 : الآية 45 ـ 46 ) .
جمع الله تعالى في هذه الآية ضروباً من رتب الأثرة ، و جملة أوصاف من المدحة فجعله شاهداً على أمته لنفسه بإبلاغهم الرسالة ، و هي من خصائصه صلى الله عليه و سلم ، و مبشراً لأهل طاعته ، و نذيراً لأهل معصيته ، و داعياً إلى توحيده و عبادته ، و سراجاً منيراً يهتدى به للحق .
حدثنا الشيخ أبو محمد بن عتاب رحمه الله ، حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد ، حدثنا أبو الحسن القابسي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن سنان ، حدثنا فليح ، حدثنا هلال ، عن عطاء ابن يسار ، قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أجل ، و الله ، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، و حرزاً للأميين ، أنت عبدي و رسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ و لا غليظ و لا صخاب في الأسواق ، و لا يدفع بالسيئة السيئة ، و لكن يعفو و يغفر ، و لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : لاإله إلا الله ، و يفتح به أعينا عمياً، و آذاناً صماً ، و قلوباً غلفاً.
و ذكر مثله عن عبد الله بن سلام [ 10 ] و كعب الأحبار ، و في بعض طرقه ، عن ابن إسحاق : و لا صخب في الأسواق ، و لا متزين بالفحش ، و لا قوال للخنا ، أسدده لكل جميل ، و أهب له كل خلق كريم ، و أجعل السكينة لباسه ، و البر شعاره ، و التقوى ضميره ، و الحكمة معقوله ، و الصدق و الوفاء طبيعته ، و العفو و المعروف خلقه ، و العدل سيرته ، و الحق شريعته ، و الهدى إمامه ، و الإسلا م ملته ، و أحمد اسمه ، أهدي به بعد الضلالة ، و أعلم به بعد الجهالة ، و أرفع به بعد الخمالة ، و أسمي به بعد النكرة ، و أكثر به بعد القلة ، و أغني به بعد العلة ، و أجمع به بعد الفرقة ، و أولف به بين قلوب مختلفة ، و أهواء متشتتة ، و أمم متفرقة ، و أجعل أمته خير أمة أخرجت للناس . و في حديث آخر : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفته في التوراة : عبدي أحمد المختار ، مولده بمكة ، و مهاج ره بالمدينة ، أو قال : طيبة أمته الحمادون لله على كل حال . و قال تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون * قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون [سورة الأعراف /7 : الآية 157ـ158 ] .
و قد قال تعالى : فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين [ سورة آل عمران / 3 : الآية 159 ] .
قال السمرقندي : ذكرهم الله منته أنه جعل رسوله رحيماً بالمؤمنين ، رؤوفاً لين الجانب ، و لو كان فظاً خشناً في القول لتفرقوا من حوله ، و لكن جعله الله تعالى سمحاً ، سهلاً طلقاً براً لطيفاً .
هكذا قاله الضحاك .
و قال تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ سورة البقرة / 2 : الآية 143 ] .
قال أبو الحسن القابسي : أبان الله تعالى فضل نبينا صلى الله عليه و سلم ، و فضل أمته بهذه الآية ، و في قوله في الآية [ 10 ] الأخرى : وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس [ سورة الحج / 22 : الآية 78 ] .
و كذلك قوله تعالى : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا [ سورة النساء / 4 : الآية 41 ] .
قوله تعالى : وسطاً : أي عدلاً خياراً .
و معنى هذه الآية : و كما هديناكم فكذلك خصصناكم و فضلناكم بأن جعلناكم أمة خياراً عدولاً ، لتشهدوا للأنبياء عليهم السلام على أممهم ، و يشهد لكم الرسول بالصدق .
و قيل : إن الله جل جلاله إذا سأل الأنبياء : هل بلغتم . فيقولون : نعم . فتقول أممهم : ما جاءنا من بشير و لا نذير ، فتشهد أمة محمد صلى الله عليه و سلم للأ نبياء ، و يزكيهم النبي صلى الله عليه وسلم .
و قيل : معنى الآية : إنكم حجة على كل من خالفكم ، و الرسول حجة عليكم . حكاه السمرقندي .
و قال الله تعالى : وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم [ سورة يونس / 10 : الآية 2 ] .
قال قتادة ، و الحسن ، و زيد بن أسلم : قدم صدق : هو محمد صلى الله عليه و سلم ، يشفع لهم .
و عن الحسن أيضاً : هي مصيبتهم بنبيهم .
و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : هي شفاعة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، هو شفيع صدق عند ربهم .
و قال سهل بن عبد الله التستري : هي سابقة رحمة أودعها الله في محمد صلى الله عليه و سلم .
و قال محمد بن علي الترمذي : هو إمام الصادقين و الصديقين ، الشفيع المطاع ، و السائل المجاب محمد صلى الله عليه وسلم ، حكاه عنه السلمي .
الفصل الثالث
فيما ورد من خطابه إياه مورد الملاطفة و المبرة
من ذلك قوله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم [ سورة التوبة / 9 : الآية 43 ].
قال أبو محمد مكي : قيل هذا إفتتاح كلام بمنزلة : أصلحك الله ، و أعزك الله .
و قال عون بن عبد الله : أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب .
و حكى السمرقندي عن بعضهم أن معناه : عافاك الله يا سليم القلب : لم أذنت لهم ؟ .
قال : و لو بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ، لم أذنت لهم لخيف عليه أن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام ، لكن الله تعالى برحمته أخبره بالعفو حتى سكن قلبه ، ثم قال له : لم أذنت لهم بالتخلف حتى يتبين لك الصادق في عذره من الكاذب .
و في هذا من عظيم منزلته عند الله ما لا يخفى على ذي لب .
و من إكرامه إياه و بره به ما ينقطع دون معرفة غايته نياط القلب . قال نفطويه : ذهب ناس إلى أن النبي صلى الله عليه و سلم معاتب بهذه الآية ، و حاشاه من ذلك ، بل كان مخيراً فلما أذن لهم أعلمه الله تعالى أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا لنفاقهم ، و أنه لا حرج عليه في الأذن لهم .
قال القاضي أبو الفضل : يجب على المسلم المجاهد نفسه ، ا لرائض بزمام الشريعة خلقه أن يتأدب بأدب القرآن في قوله و فعله ، و معاطاته و محاوراته ، فهو عنصر المعارف الحقيقية ، و روضة الأداب الدينة و الدنيوية ، و ليتأمل هذه الملاطفة العجيبة في السؤال من رب الأرباب ، المنعم على الكل ، المستغني عن الجميع ، و يستثر ما فيها من الفوائد ، و كيف ابتدأ بالإكرام قبل العتب ، و أنس بالعفو قبل ذكر الذنب إن كان ثم ذنب .
و قال تعالى : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا [ سورة الإسراء / 17 : الآية 74 ] .
قال بعض المتكلمين : عاتب الله تعالى الأنبياء عليهم السلام بعد [ 11] الزلات ، و عاتب نبياً عليه السلام قبل وقوعه ، ليكون بذلك أشد انتهاءً و محافظة لشرائط المحبة ، و هذه غاية العناية .
ثم انظر كيف بدأ بثباته و سلامته قبل ذكر ما عتبه عليه و خيف أن يركن إليه ، ففي أثناء عتبه براءته ، و في طي تخويفه تأمينه و كرامته .
و مثله قوله تعالى : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [ سورة الأنعام / 6 : الآية 33 ] .
قال علي رضي الله عنه : قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لا نكذبك و لكن نكذب ما جئ ت به ، فأنزل الله تعالى : فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون .
و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم لما كذبه قومه حزن ، فجاءه جبريل عليه السلام فقال : ما يحزنك ؟ قال : كذبني قومي ! فقال : إنهم يعلمون أنك صادق ، فأنزل الله تعالى الآية .
ففي هذه الآية منزع لطيف المأخذ ، من تسليته تعالى له عليه السلام ، و إلطافه به في القول ، بأن قرر عنده أنه صادق عندهم ، و أنهم غير مكذبين له ، معترفون بصدقه قولاً و إعتقاداً ، و قد كانوا يسمونه ـ قبل النبوة ـ الأمين ، فدفع بهذا التقرير ارتماض نفسه بسمة الكذب ، ثم جعل الذم لهم بتسميتهم جاحدين ظالمين ، فقال تعالى : ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [ سورة الأنعام / 6 : الآية 33 ] .
فحاشاه من الوصم ، و طوقهم بالمعاندة بتكذيب الآيات حقيقة الظلم ، إذ الجحد إنما يكون ممن علم الشيء ثم أنكره ، كقوله تعالى : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [ سورة النمل / 17 : الآية 14 ] .
ثم عزاه و آنسه بما ذكره عمن قبله ، و وعده النصر بقوله تعالى : ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين [ سورة الأنعام / 6 : الآية 34 ] .
فمن قرأ وإن يكذبوك بالتخفيف ، فمعناه : لا يجدونك كاذباً . و قال الفراء ، و الكسائي : لا يقولون إنك كاذب .
و قيل : لا يحتجون على كذبك ، و لا يثبتونه .
و من قرأ بالتشديد فمعناه : لا ينسبوك إلى الكذب . و قيل : لا يعتقدون كذبك .
و مما ذكر من خصائصه و بر الله تعالى به أن الله تعالى خاطب جميع الأنبياء بأسمائهم ، فقال تعالى : يا آدم ، يا نوح ، يا موسى ، يا داود ، يا عيسى ، يا زكريا ، يا يحيى . و لم يخاطب هو إلا : يأيها الرسول ، يأيها النبي ، يأ يها المزمل ، يأيها المدثر .     
الفصل الرابع
في قسمه تعالى في عظيم قدره
قال الله تعالى : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون [ سورة الحجر / 15 : الأية 72 ] . اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه و سلم ، و أصله ضم العين ، من العمر ، و لكنها فتحت لكثرة الإستعمال . و معناه : و بقائك يا محمد و قيل : و عيشك . و قيل : و حياتك .
و هذه نهاية التعظيم ، و غاية البر و التشريف . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما خلق الله تعالى ، و ما ذرأ ، و ما برأ نفساً ـ أكرم عليه من محمد صلى الله عليه و سلم ، و ما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره .
و قال أبو الجوزاء : ما أقسم الله تعالى بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه و سلم ، لأنه أكرم البرية عنده .
و قال تعالى : يس * والقرآن الحكيم .
اختلف المفسرون في معنى يس على أقوال ، فحكى أبو محمد مكي أنه روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لي عند ربي عشرة أسماء ذكر منها : طه و يس ـ اسمان له .
و حكى أبو عبد الرحمن السلمي ، عن جعفر الصادق ـ أنه أراد : يا سيد ، مخاطبة لنبيه صلى الله عليه و سلم [ 12 ] .
و عن ابن عباس : يس ـ يا إنسان ، أراد محمداً صلى الله عليه و سلم .
و قال : هو قسم ، و هو من أسماء الله تعالى .
و قال الزجاج : قيل معناه : يا محمد . و قيل : يا رجل . و قيل : يا إنسان .
و عن ابن الحنفية : يس : يا محمد .
و عن كعب : يس : قسم أقسم الله تعالى به قبل أن يخلق السماء و الأرض بألفي عام : يا محمد إنك لمن المرسلين . ثم قال : و القرآن الحكيم إنك لمن المرسلين .
فإن قرر أنه بين أسمائه صلى الله عليه و سلم ، و ضح فيه . أنه قسم كان فيه من التعظيم ما تقدم ، و يؤكد فيه القسم عطف القسم الآخر عليه ، و إن كان بمعنى النداء فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق رسالته ، و الشهادة بهدايته : أقسم الله تعالى باسمه و كتابه إنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده ، و على صراط مستقيم من إيمانه ، أي طريق لا اعوجاج فيه ، ولا عدول عن الحق .
قال النقاش : لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرساله في كتاب إلا له ، و فيه من تعظيمه و تمجيده ـ عن تأويل من قال : أنه يا سيد ـ ما فيه ، و قد قال عليه السلام : أنا سيد ولد آدم ، و لا فخر .
و قال تعالى : لا أقسم بهذا البلد * وأنت حل بهذا البلد [ سورة البلد / 90 : الآية 2 ] .
قيل : لا أقسم به إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه ، حكاه مكي .
و قيل : [ لا ] زائدة ، أي أقسم به و أنت به يا محمد حلال . أو حل لك ما فعلت فيه على التفسيرين .
و المراد بالبلد عند هؤلاء مكة .
و قال الواسطي : أي نحلف لك بهذا البلد الذي شرفته بمكانك فيه حياً ، و ببركتك ميتاً ـ يعني المدينة .
و الأول أصح ، لأن السورة مكية ، و ما بعده يصححه : قوله تعالى وأنت حل بهذا البلد [ سورة البلد / 90 : الآية 2 ] .
و نحوه قول ابن عطاء في تفسير قوله تعالى : وهذا البلد الأمين قال : أمنها الله تعالى بمقامه فيها و كونه بها ، فإن كونه أمان حيث كان .
ثم قال : ووالد وما ولد و من قال : أراد آدم فهو عام ، و من قال : هو ابراهيم و ما ولد ـ إن شاء الله ـ إشارة إلى محمد صلى الله عليه و سلم ، فتتضمن السورة القسم به صلى الله عليه و سلم في موضعين .
و قال تعالى : الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه [ سورة البقرة / 2 : الآيه 1 ـ 2 ] .
قال ابن عباس : هذه الحروف أقسام أقسم الله تعالى بها . و عنه و عن غيره فيها غير ذلك.
و قال سهل ابن عبد الله التست ري : الألف هو الله تعالى . و اللام جبريل و الميم محمد صلى الله عليه و سلم .
و حكى هذا القول السمرقندي ، و لم ينسبه إلى سهل ، و جعل معناه : الله أنزل جبريل على محمد بهذا القرآن لا ريب فيه ، و على الوجه الأول يحتمل القسم أن هذا الكتاب حق لا ريب فيه ، ثم فيه من فضيلة قرآن اسمه باسمه نحو ما تقدم .
و قال ابن عطاء ـ في قوله تعالى ق والقرآن المجيد ـ أقسم بقوة قلب حبيبه محمد صلى الله عليه و سلم حيث حمل الخطاب و المشاهدة و لم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله .
و قيل : هو اسم للقرآن . و قيل : هو اسم لله تعالى . و قيل : جبل محيط بالأرض . و قيل غير هذا .
و قال جعفر بن محمد ـ في تفسير : والنجم إذا هوى : إنه محمد صلى الله عليه و سلم ، وقال : النجم قلب محمد صلى الله عليه و سلم : انشرح من الأنوار .
و قال : انقطع عن غير الله .
و قال ابن عطاء ـ في قوله تعالى والفجر* وليال عشر ـ الفجر : محمد صلى الله عليه و سلم ، لأنه منه تفجر الإيمان .
الفصل الخامس
 في قسمه تعالى جده ، له ، ليحقق مكانته عنده
قال جل اسمه : والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى * وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى * ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى * فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث [سورةالضحى / 93: الأية 93 ]
اختلف في سبب نزول هذه السورة ، فقيل : كان ترك النبي صلى الله عليه و سلم قيام الليل لعذر نزل به ، فتكلمت امرأة في ذلك بكلام .
و قيل : بل تكلم به المشركون عند فترة الوحي ، فنزلت السورة .
قال القاضي الإمام أبو الفضل : تضمنت هذه السورة من كرامة الله تعلى له ، و تنويهه به و تعظيمه إياه ستة و جوه :
الاول : القسم له عما أخبره به من حاله بقوله تعالى والضحى * والليل إذا سجى . أي و رب الضحى ،و هذا من أعظم درجات المبرة .
الثاني : بيان مكانته عنده و حظوته لديه بقوله تعالى : ما ودعك ربك وما قلى ، أي ماتركك و ما أبغضك . و قيل : ما أهملك بعد أن اصطفاك .
الثالث : قوله تعالى : وللآخرة خير لك من الأولى ، قال ابن إسحاق : اي مالك في مرجعك ع ند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا .
و قال سهل : أي ما ما ذخرت لك من الشفاعة و المقام المحمود خير لك مما أعطيتك في الدنيا .
الرابع : قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى
و هذه أيه جامعة لوجوه الكرامة ، و أنواع السعادة ، و شتات الإنعام في الدارين . و الزيادة .
قال ابن إسحاق : يرضيه بالفلج في الدنيا ، و الثواب في الأخرة .
و قيل : يعطيه الحوض و الشفاعة.
و روي عن بعض آل النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ليس آية في القرآن أرجى منها ، و لا يرضى رسول صلى الله عليه و سلم أن يدخل أحد من أمته النار .
الخامس : ما عدده تعالى عليه من نعمه ، و قرره من آلائه قبله في بقية السورة ، من هدايته إلى ما هداه له ، أو هداية الناس به على اختلاف التفاسير ، ولا مال له ، فأغناه بما آتاه ، أو بما جعله في قلبه من القناعة و الغنى ، و يتيماً فحدب عليه عمه و آواه إليه .
و قيل : آواه إلى الله . و قيل : يتيماً : لا مثال لك ، فآواك إليه .
و قيل : المعنى : ألم يجدك فهدى بك ضالاً ، و أغنى بك عائلاً ، و آوى بك يتيماً ـ ذكره بهذه المنن ، و أنه على المعلوم من التفسير لم يهمله في حال صغره و عيلته و يتمه و قبل معرفته به ، و لا و دعه ولا قلاه ، فكيف بعد اختصاصه و اصطفائه !
السادس : أمره بإظهار نعمته عليه و شكر ما شرفه بنشره و اشادة ذكره بقوله تعالى : وأما بنعمة ربك فحدث ، فإن من شكر النعمة الحديث بها ، و هذا خاص له ، عام لأمته .
و قال تعالى : والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى [ سورة النجم / 53 : الآيات 1 : 18 ] .
اختلف المفسرون في قوله تعالى : والنجم بأقاويل معروفة ، منها النجم على ظاهره ، و منها القرآن .
و عن جعفر بن محمد أنه محمد عليه السلام ، و قال : هو قلب محمد .
و قد قيل في قوله تعالى : والسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب ـ إن النجم هنا أيضاً محمد صلى الله عليه و سلم ، حكاه السلمي .
تضمنت هذه الأيات من فضله و شرفه العد ما يقف دونه العد ، و أقسم جل اسمه على هداية المصطفى ، و تنزيهه عن الهوى ، و صدقه فيما تلا ، و أنه وحي يوحى أوصله إليه ـ عن الله ـ جبريل ، و هو الشديد القوى .
ثم أخبر تعالى عن فضيلته بقصة الإسراء ، و انتهائه إلى سدرة المنتهى ، و تصديق بصره فيما رأى ، و أنه رأى من آيات ربه الكبرى . [ 14 ] . و قد نبه على مثل هذا في أول سورة الإسراء .
و لما كان ما كاشفه به عليه السلام من ذلك الجبروت ، و شاهده من عجائب الملكوت لا      تحيط به العبارات ، ولاتستقل بحمل سماع أذناه العقول ـ رمز عنه تعالى بالإيماءة و الكناية الدالة على التعظيم ، فقال تعالى : فأوحى إلى عبده ما أوحى [ سورة النجم / 53 : الآية 10 ] .
و هذا النوع من الكلام يسميه أهل النقد و البلاغة بالوحي و الإشارة ، و هو عندهم أبلغ أبواب الإيجاز .
و قال تعالى : لقد رأى من آيات ربه الكبرى ـ انحسرت الأفهام عن تفصيل ما أوحى ، و تاهت الأحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى .
قال القاضي أبو الفضل : اشتملت هذه الآيات على إعلام الله تعالى بتزكية جملته عليه السلام ، و عصمتها من الآفات في هذا المسرى ، فزكى فؤاده و لسانه و جوارحه : فزكى قلبه بقوله : ما كذب الفؤاد ما رأى . و لسانه بقوله : وما ينطق عن الهوى .و بصره بقوله : ما زاغ البصر وما طغى [ سورة النجم / 53 : الآية 17 ] .
و قال تعالى : فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس * إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون * ولقد رآه بالأفق المبين * وما هو على الغيب بضنين * وما هو بقول شيطان رجيم [ سورة التكوير / 81 : الأيات : 15 ، 25 ] .
لا أقسم : أي أقسم . إنه لقول رسول كريم ، أي كريم عند مرسله . ذي قوة على تبليغ ما حمله من الوحي ، مكين : أي متمكن المنزلة من ربه ، رفيع المحل عنده ، مطاع ثم : أي في السماء . أمين على الوحي .
قال علي بن عيسى و غيره : الرسول الكريم هنا محمد صلى الله عليه و سلم ، فجميع الأوصاف بعد على هذا له .
و قال غيره : هو جبريل ، فترجع الأوصاف إليه .
و لقد رآه ـ يعني محمداً . قيل : رأى ربه . و قيل : رأى جبريل في صورته .
وما هو على الغيب بضنين ، أي : بمتهم . و من قرأها بالضاد فمعناه : ما هو ببخيل با لدعاء به ، و التذكير بحكمه و بعلمه ، و هذه لمحمد عليه السلام باتفاق .
و قال تعالى : ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإن لك لأجرا غير ممنون * وإنك لعلى خلق عظيم * فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون * إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين * فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون * ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع للخير معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * سنسمه على الخرطوم [ سورة القلم / 68 : الآيات : 1 ، 16 ] .
أقسم الله تعالى بما أقسم به من عظيم قسمه على تنزيه المصطفى بما غمصته ، الكفرة به ، و تكذيبهم له ، و أنسه ، و بسط أمله بقوله ـ محسناً خطابه : ما أنت بنعمة ربك بمجنون . و هذه نهاية المبرة في المخاطبة ، و أعلى درجات الآداب في المحاورة ، ثم أعلمه بماله عنده من نعيم دائم ، و ثواب غير منقطع ، لا يأخذه عد ، و لا يمتن به عليه ، فقال تعالى وإن لك لأجرا غير ممنون .
ثم أثنى عليه بما منحه من هباته ، و هداه إليه ، و أكد ذلك تتميماً للتمجيد ، بحرفي التأكيد ، فقال تعال : وإنك لعلى خلق عظيم . قيل : القرآن و قيل : الإسلام . و قيل : الطبع الكريم . و قيل : ليس لك همة إلا الله . قال الواسطي : أثنى عليه بحسن قبوله لما أسداه إليه من نعمه ، و فضله بذ لك على غيره ، لأنه جبله على ذلك الخلق ، فسبحان اللطيف الكريم ، المحسن الجواد ، الحميد الذي يسر للخير و هدى إليه ، ثم أثنى على فاعله ، و جازاه عليه سبحانه ، ما أغمز نواله ، و أوسع إفضاله ، ثم سلاه عن قولهم بعد هذا بما و عده به من عقباهم ، و توعدهم بقوله : فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون * إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين [ سورة القلم /68 : الأيات : 5،7 ] .
ثم عطف بعد مدحه على ذم عدوه ، و ذكره سوء خلقه ،و عد معايبه ، متولياً ذلك بفضله ، و منتصراً لنبيه ، فذكر بضع عشرة خصلة من خصال الذم فيه بقوله : فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون * ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع للخير معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ثم ختم ذلك بالوعد الصادق بتمام شقائه و ختامه بواره بقوله : سنسمه على الخرطوم . فكانت هنصرة الله [ 15 ] له أتم من نصرته لنفسه ، و رده تعالى على عدوه أبلغ من رده ،وأثبت من ديوان مجده .
الفصل السادس
فيما ورد من قوله تعالى في جهته عليه السلام مورد الشفقة و الإكرام

قال تعالى : طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى [ سورة طه /20: الأية1،2] قيل : طه : اسم من أسمائه عليه السلام . و قيل : هو اسم الله، و قيل : معناه يارجل .و قيل : يا إنسان . و قيل : هي حروف مقطعة لمعان . و قال الواسطي : أراد يا طاهر ، يا هادي . و قيل : هو أمر من الوطء . و الهاء كناية عن الأرض ، أي اعتمد على الأرض بقدميك ، ولا تتعب نفسك بالإعتماد على قدم واحد ، و هو قوله تعالى : ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى .
نزلت الآية فيما كان النبي صلى الله عليه و سلم يتكلفه من السهر و التعب و قيام الليل.
أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن ، و غير واحد ، عن القاضي أبي الوليد الباجي إجازة ، و من أصله نقلت ، قال : حدثنا أبوذر الحافظ ، حدثنا أبو محمد الحموي ،حدثنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا هاشم بن القاسم ، عن أبي جعفر ،عن الربيع بن انس ، قال : [ كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا صلى قام على رجل و رفع الأخرى ، فأنزل الله تعالى : طه ـ يع ني طأ الأرض يا محمد ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى * تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى [سورة طه /20: الأيات 2 : 4 ] .
و لا خفاء بما في هذا كله من الإكرام و حسن المعاملة .
و إن جعلنا طه من أسمائه عليه السلام كما قيل ، أو جعلت قسماً لحق الفصل بما قبله .
و مثل هذا من نمط الشفقة و المبرة قوله تعالى : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ، أي قاتل نفسك لذلك غضباً أو غيظاً ، أو جزعاً .
و مثله قوله تعالى أيضاً : لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين ، ثم قال : إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين [ سورة الشعراء / 26 : الآية 4 ] .
و من هذا الباب قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون * ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون [ سورة الحجر / 15 : الآيات 94 : 97 ] .
و قوله : ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون [ سورة الأنعام / 6 : آية 10 ، و سورة الأنبياء / 21 : الآية 41 ] .
قال مكي : سلاه بما ذكر ، و هون عليه ما يلقى من المشركين ، و أعلمه أن من تمادى على ذلك يحل به ما بمن قبله .
و مثل هذه التسلية قوله تعالى : وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك [ سورة فاطر / 35 : الآية 4 ] .
و من هذا قوله تعالى : كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون [ سورة الذاريات / 51 : الآية 52 ] .
عزاه الله تعالى بما أخبر به عن الأمم السالفة و مقاليها لأنبيائهم قبله ، و محنتهم بهم ، و سلاه بذلك من محنته بمثله من كفار مكة ، و أنه ليس أول من لقي ذلك ، ثم طيب نفسه ، و أبان عذره بقوله تعالى : فتول عنهم ، أي أعرض عنهم ، فما أنت بملوم ، أي في أداء ما بلغت و إبلاغ ما حملت .
و مثله قوله تعالى : واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ، أي اصبر على أذاهم فإنك بحيث نراك و نحفظك .
سلاه الله تعالى بهذا في آي كثيرة من هذا المعنى .

الفصل السابع
 فيما أخبر الله تعالى به في كئتابه العزيز من عظيم قدره و شريف منزلته و حظوة رتبته

قوله تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين [ سورة آل عمران / 3 : الآية 81 ] .
قال أبو الحسن القابسي : استخص الله تعالى [ 16 ] محمداً صلى الله عليه و سلم بفضل لم يؤته غيره ، أبانه به ، و هو ما ذكره في هذه الآية ، قال المفسرون : أخذ الله الميثاق بالوحي ، فلم يبعث نبياً إلا ذكر له محمداً و نعته ، و أخذ عليه ميثاقه إن أدركه ليؤمنن به .
و قيل : أن يبينه لقومه ، و يأخذ ميثاقهم أن يبينوه لمن بعدهم .       و قوله : ثم جاءكم : الخطاب لأهل الكتاب المعاصرين لمحمد صلى الله عليه و سلم .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لم يبعث الله نبينا من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه و سلم : لئن بعث و هو حي ليؤمنن به و لينصرنه ، و يأخذ العهد بذلك على قومه .
و نحوه عن السدي و قتادة في آي تضمنت فضله من غير وجه واحد .
قال الله تعالى : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا [ سورة الأحزاب / 33 : الآية 7 ] .
و قال تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما * رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما * لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا [ سورة النساء / 4 : الآيات 163 ، 166 ] .
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في كلام زكى به النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال بأبي أنت و أمي يا رسول الله ! لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن بعثك آخر الأنبياء ، و ذكرك في أولهم ، فقال : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا [ سورة الأحزاب /33 : الآية 7 ] .
و قال تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح وا لنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما * رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما * لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا [سورة النساء / 4 : الآيات 163 ، 166 ] .
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في كلام زكى به النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال بأبي أنت و أمي يا رسول الله ! لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن بعثك آخر الأنبياء ، و ذكرك في أولهم ، فقال : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا [ سورة الأحزاب /33 : الآية 7 ] .
بأبي أنت و أمي يا رسول الله ! لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا أطاعوك و هم بين أطباقها يعذبون يقولون : يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا [ سورة الأحزاب / 33 : الآية 66 ] .
قال قتادة : إن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كنت أول الأنبياء في الخلق ، و آخرهم في البعث ، فلذلك وقع ذكره مقدماً هنا قبل نوح و غيره .
قال السمر قندي : في هذا تفضيل نبياً صلى الله عليه و سلم ، لتخصيصه بالذكر قبلهم ، و هو آخرهم .
المعنى : أخذ الله تعالى عليهم الميثاق ، إذ أخرجهم من ظهر آدم كالذر .
و قوله تعالى : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا [ سورة البقرة / 2 : الآية 253 ] .
قال أهل التفسير : أراد بقوله : ورفع بعضهم درجات ـ محمداً صلى الله عليه و سلم ، لأنه بعث إلى الأحمر و الأسود ، و أحلت له الغنائم ، و ظهرت على يديه المعجزات ، و ليس أحد من الأنبياء أعطي فضيلة أو كرامة إلا و قد أعطي محمد صلى الله عليه و سلم مثلها .
قال بعضهم : و من فضله أن الله تعالى خاطب الأنبياء بأسمائهم ، و خاطبه بالنبوة و الرسالة في كتابه ، فقال : يا أيها النبي ، و يا أيها الرسول .
و حكى السمر قندي عن الكلبي ـ في قوله تعالى : وإن من شيعته لإبراهيم ـ أن الهاء عائدة على محم د ، أي أن من شيعة محمد لإبراهيم ، أي على دينه و منهاجه .
و أجازه الفراء ، و حكاه عنه مكي . و قيل : المراد نوح عليه السلام .
      
الفصل الثامن
في إعلام الله تعالى خلقه بصلواته عليه و ولايته له و رفعه العذاب بسببه
قال الله تعالى : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، أي ما كنت بمكة ، فلما خرج النبي صلى الله عليه و سلم من مكة ، و بقي من المؤمنين نزل : وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [ سورة الأنفال / 8 ، الآية 33 ] .
و هذا مثل قوله : لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما [ سورة الفتح / 48 ، الآية 25 ] .
و قوله تعالى : ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء : فلما هاجر المؤمنون نزلت : وما لهم أن لا يعذبهم الله [ سورة الأنفال / 8 ، الآية 34 ] .
و هذا من أبين ما يظهر مكانته صلى الله عليه و سلم ، و درأ به العذاب عن أهل مكة بسبب كونه ، ثم كون أصحابه بعده [ 17 ] بين أظهرهم ، فلما خلت مكة منهم عذبهم الله بتلسيط المؤمنين عليهم ، و غلبتهم إياهم ، و حكم فيهم سيوفيهم ، و أورثهم أرضهم و ديارهم و أموالهم .
و في الآية أيضاً تأويل آخر :
حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحمه الله بقراءتي عليه ، قال : حدثنا أبو الفضل بن خيرو ن ، و أبو الحسين الصيرفي ، قالا : حدثنا أبو يعلى ابن زوج الحرة ، حدثنا أبو علي السنجي ، حدثنا محمد بن محبوب المروزي ، حدثنا أبو عيسى الحافظ ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن نمير ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن عباد بن يوسف ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنزل الله علي أمانين لأمتي ، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الإستغفار .
و نحو منه قوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ سورة الأنبياء / 21 ، الآية 107 ] .
و قال عليه السلام : أنا أمان لأصحابي . قيل : من البدع .
و قيل : من الإختلاف و الفتن .
قال بعضهم : الرسول صلى الله عليه و سلم هو الأمان الأعظم ما عاش ، و ما دامت سنته باقية فهو باق ، فإذا أميتت سنته فانتظر البلاء و الفتن .
و قال الله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية 56 ] .
أبان الله تعالى فضل نبيه صلى الله عليه و سلم بصلواته عليه ، ثم بصلاة ملائكته ، و أ مر عباده بالصلاة و التسليم عليه .
[ و قد حكى أبوبكر بن فورك أن بعض العلماء تأول قوله عليه السلام : و جعلت قرة عيني في الصلاة على هذا ، أي في صلاة الله تعالى علي و ملائكته و أمره الأمة بذلك إلى يوم القيامة ] . و الصلاة من الملائكة [ استغفار ] ، و منا له دعاء ، و من الله عز و جل رحمة .
و قيل : يصلون : يباركون .
و قد فرق النبي صلى الله عليه و سلم ـ حين علم الصلاة عليه بين لفظ الصلاة و البركة .
و سنذكر حكم الصلاة عليه .
و ذكر بعض المتكلمين في تفسير حروف كهيعص أن الكاف من [ كاف ] ، أي كفاية الله تعالى لنبيه ، قال تعالى : أليس الله بكاف عبده [ سورة الزمر / 39 ، الآية 36 ] .
و الهاء هدايته له ، قال : ويهديك صراطا مستقيما [ سورة الفتح / 48 ، الآية 2 ] .
و الياء تأييده ، قال : هو الذي أيدك بنصره [ سورة الأنفال / 8 ، الآية 62 ] .
و العين عصمته له قال : والله يعصمك من الناس [س المائدة / 5 ، الآية 67 ] .
و الصاد : صلواته عليه ، قال : إن الله وملائكته يصلون على النبي [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية 56 ] .
و قال تعالى : وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ، مولاه أي وليه . و صالح المؤمنين : قيل : الأنبياء . و قيل :
الملائكة . و قيل : أبوبكر ، و عمر .
و قيل : علي . و قيل : المؤمنون على ظاهره .

الفصل التاسع
 فيما تضمنته سورة الفتح من كراماته صلى الله عليه و سلم
قال الله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك الله نصرا عزيزا * هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما * ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما * ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا * ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما * إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا * إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم [ سورة الفتح / 48 ، الآية 1، 10 ] .
تضمنت هذه الأيات من فضله الثناء عليه و كريم منزلته عند الله تعالى ، و نعمته لديه ـ ما يقصر الوصف عن الإنتهاء إليه ، فابتدأ جل جلاله ـ بإعلامه بما قضاه له من القضاء البين بظهور ه ، و غلبته على عدوه ، و علو كلمته و شريعته ، و أنه مغفور له ، غير مؤاخذ بما كان و ما يكون .
قال بعضهم : أراد غفران ما وقع و ما لم يقع ، أي إنك مغفور لك .
و قال مكي : جعل الله المنة سبباً للمغفرة ، و كل من عنده ، لا إله غيره ، [ 18 ] منةً بعد منة ، و فضلاً بعد فضل .
ثم قال : ويتم نعمته عليك : قيل بخضوع من تكبر عليك .
و قيل : يفتح مكة و الطائف .
و قيل : يرفع ذكرك في الدنيا و ينصرك و يغفر لك ، فأعلمه بتمام نعمته عليه بخضوع متكبري عدوه له ، و فتح أهم البلاد عليه و أحبها له ، و رفع ذكره ، و هدايته الصراط المستقيم المبلغ الجنة و السعادة ، و نصره النصر العزيز ، و منته على أمته المؤمنين بالسكينة و الطمأنينة التي جعلها في قلوبهم ، و بشارتهم بما لهم بعد ، و فوزهم العظيم ، و العفو عنهم ، و الستر لذنوبهم ، و هلاك عدوه في الدنيا و الآخرة ، و لعنهم و بعدهم من رحمته ، و سوء منقلبهم .
ثم قال : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا [ سورة الفتح /48 ، الآية 8 ، 9 ] .
فعد محاسنه و خصائصه ، من شهادته على أمته لنفسه ، بتبليغه الرسالة لهم .
و قيل : شاهداً لهم بالتوحيد ، و مبشراً لأمته بالثواب . و قيل : بالمغفرة .       و منذراً عدوه بالعذاب .
و قيل : محذراً من الضلالات ليؤمنوا بالله ثم به صلى الله عليه و سلم من سبقت له من الله الحسنى . و يعزروه ، و يجلونه . و قيل : ينصرونه . و قيل : يبالغون في تعظيمه .       و يوقروه ، أي يعظموه .
و قرأه بعضهم : تعززوه ـ بزاءين : من العز ، و الأكثر و الأظهر أن هذا في حق محمد صلى الله عليه و سلم .
ثم قال : وتسبحوه ، فهذا راجع إلى الله تعالى .
قال ابن عطاء جمع للنبي صلى الله عليه و سلم في هذه السور نعم مختلفة ، من الفتح المبين ، و هو من أعلام الإجابة . و المغفرة ، و هي من أعلام المحبة ، و تمام النعمة ، و هي من أعلام الإختصاص . و الهداية ، و هي من أعلام الولاية ، فالمغفرة تبرئة من العيوب ، و تمام النعمة إبلاغ الدرجة الكاملة ، و الهداية و هي الدعوة إلىالمشاهدة .
و قال جعفر بن محمد : من تمام نعمته عليه أن جعله حبيبه ، و أقسم بحياته ، و نسخ به شرائع غيره ، و عرج به إلى المحل الأعلى ، و حفظه في المعراج حتى ما زاغ البصر و ما طغى ، و بعثه إلى الأحمر و ا لأسود ، و أحل له و لأمته الغنائم ، و جعله شفيعاً مشفعاً ، و سيد ولد آدم ، و قرن ذكره بذكره ، و رضاه برضاه ، و جعله أحد ركني التوحيد .
ثم قال : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ـ يعني بيعة الرضوان ، أي إنما يبايعون الله ببيعتهم إياك .
يد الله فوق أيديهم ، يريد عند البيعة . قيل : قوة الله ، و قيل : ثوابه . و قيل : منته . وقيل : عقده ، و هذه استعارة ، و تجنيس في الكلام ، و تأكيد لعقد بيعتهم إياه . و عظم شأن المبايع صلى الله عليه و سلم .
و قد يكون من هذا قوله تعالى : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ، و إن كان الأول في باب المجاز ، و هذا في باب الحقيقة ، لأن القاتل و الرامي بالحقيقة هو الله ، و هو خالق فعله و رميه ، و قدرته عليه و مسببه ، و لأنه ليس في قدرة البشر توصيل تلك الرمية حيث وصلت ، حتى لم يبق منهم من لم تملأ عينيه ، و كذلك قتل الملائكة لهم حقيقة .
و قد قيل في هذه الآية الأخرى إنها على المجاز العربي ، و مقابلة اللفظ و مناسبته ، أي ما قتلتموهم ، و ما رميتهم أنت إذ رميت وجوههم بالحصباء و التراب ، و لكن الله رمى قلوبهم بالجزع ، أي إن [ 19 ] منفعة الرمي كانت من فعل الله ، فهو القاتل و الرامي بالمعنى و أنت بالاسم .
 
الفصل العاشر
فيما أظهره الله تعالى في كتابه العزيز من كرامته عليه و مكانته عنده و ما خصه الله به من ذلك سوى ما انتظم فيما ذكرناه قبل
و من ذلك ما قصه تعالى في قصة الإسراء في سورة : سبحان ، و النجم ، و ما انطوت عليه القصة من عظيم منزلته و قربه و مشاهدته ما شاهد من العجائب .
و من ذلك عصمته من الناس بقوله تعالى : والله يعصمك من الناس . و قوله تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [ سورة الأنفال / 8 ، الآية 30 ] .
و قوله : إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم . و ما رفع الله به عنه في هذه القصة من أذاهم بعد تحزبهم لهلكه و خلوصهم نجيا في أمره ، و الأخذ على أبصرهم عند خروجه عليهم ، و ذهولهم عن طلبه في الغار ، و ما ظهر في ذلك من آيات ، و نزول السكينة عليه ، و قصة سراقه بن مالك حسب ماذكره أهل الحديث و السير في قصة الغار ، و حديث الهجر ة .
و منه قوله تعلى : إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر [ سورة الكوثر /8 0] 0
أعلمه الله تعال بما أعطاه . و الكوثر حو ضه . و قيل : نهر في الجنة . و قيل الخير الكثير . و قيل : الشفاعة . و قيل : المعجزات الكثيرة . و قيل : النبوة . و قيل : المعرفة . ثم أجاب عنه عدوه ، و رد عليه قوله ، فقال تعالى : إن شانئك هو الأبتر ، أي عدوك و مبغضك . و الأبتر : الحقير الذليل ، أو المفرد الوحيد ، أو الذي لاخير فيه . و قال تعال : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم [سورة الحجر /15 ، الآية 7 8 ] . قيل : السبع المثاني السور الطوال الأول . و القرآن العظيم : أم القرآن . و قيل : السبع المثاني : أم القرآن . و القرآن العظيم : سائره . و قيل : السبع المثاني : ما في القرآن ، من أمر ، و نهى ، و بشرى ، و إنذار ، و ضرب مثل ، و إعداد نعم ، و آتيناك نبأ القرآن العظيم .
و قيل : سميت أم القرآن مثاني لأنها تثني في كل ركعة . و قيل : بل الله تعالى اثتثناها لمحمد صلى الله عليه و سلم ، و ذخرها له دون الأنبياء .
و سمي القرآن مثاني : لأن القصص تثني فيه . و قيل : السبع المثاني : أكرمناك بسبع كرامات : الهدي ، و النبوة ، و الرحمة ، و الشفاعة ، و الولاية ، و التعظيم ، و السكينة . و قال : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون [ سورة النحل ، الآية /16 ، الآية 44 ] .
و قال : وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا [ سورة سبأ / 34 ، الآية 28 ] . و قال تعالى : قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون [ سورة الأعراف / 7 ، الآية 158 ] .
قال القاضي : فهذه من خصائصه .
و قال تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ، فخصهم بقومهم ، و بعث محمداً صلى الله عليه و سلم إلى الخلق كافة ، كما قال عليه السلام : [ بعثت إلى الأحمر و الأسود ] .
و قال تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم . قال أهل التفسير : أولى بالمؤمنين من أنفسهم : أي ما أنفذه فيهم من أمر فهو ماض عليهم كما يمضي حكم السيد على عبده .
و قيل : اتباع أمره أولى من اتباع رأي النفس . و أزواجه أمهاتهم ، أي هن في الحرمة كالأمهات ، حرم نكاحهن عليهم بعده ، تكرمت له و خصوصية ، و لأنهن له أزواج في الآخرة .
و قد قرىء : و هو أب لهم . و لا يقرأ به الأن [ 20 ] لمخالفته المصحف .

تعليقات